طبعا هذا اليوم لن يحدث لكن اجترار أفكارك السامة الناتجة عن التجارب والمواقف التي مررت بها والتي ما رحلت حتى تركت أثارها منقوشة في صدرك، والأم والأب اللذان فارقا الحياة، والزوج الذي خانك، والصديق الذي ما عدت صديقه المفضل كلها أشياء جعلتك تفكر بالاستغناء عن كل شيء من المحتمل أن تكون نهايته عبارة عن خيبة، لكن ألا يجب أن ننظر إلى الجزء المملوء من الكأس؟ ألا يجب أن ننظر إلى الأشياء من الجانب المشرق؟ ألا يجب أن نرى الخير في كل شيء وأن نتفاءل؟
صدقني يا صديقي لا يوجد شيء أصدق من صدقك مع نفسك، قد يفهمك كل العالم ولن تفهمك ذاتك لوحدها. دعني أخبرك سرا، إذا ابتعدت عن الأصدقاء والعائلة وعن المقربين منك ستموت من شدة الاكتئاب. لقد عُلمنا في مدارسنا بأن الإنسان اجتماعي بطبعه وهذه حقيقة حتمية لا جدال فيها. فكلما انغمسنا في الجماعة وانتقلنا من عبارة أنا إلى نحن تصبح مشاكلنا هينة ونعرف أنفسنا أكثر من خلال الأخر.

ربما ستقول أن من حولك ليسوا مثلك أو أنك لا تجد فيهم جزءا منك سأقول لك جرب، أحب من حولك وابحث عن الخير فيهم، أعد النظر في الأشياء من زوايا مختلفة أو ابحث عمن يشاركك مواهبك وميولاتك، انخرط في الأعمال الجمعوية والخيرية، سافر، لا تدع ذاتك تأكلك فهي لا زالت تتعلم كيف تتعامل مع الأشياء فإن ساعدتها بدل أن تنتظر مساعدتها ستساعدك فيما بعد، أسد لها معروفا وأخرجها إلى العالم وعلمها الحب، حب الله، حب الناس، حب الدين، حب العلم والخير.. فحب هاته الأشياء ستحببك في نفسك، عكس القعود والانتظار في المستقبل الذي هو في علم الغيب.
فإذا عرفت نفسك يا صديقي ستعرف الله، وإذا عرفت الله ستعرف كلما يدور من حولك، وستفتح عينيك على الإشارات الإلهية التي يضعها الله في طريقك وستصبح كل المشاكل والخيانات والمصائب نعم، وقد تذكرت بعد كتابتي لهاته الأسطر قاعدة من إحدى قواعد العشق الأربعين ألا وهي: "إن الطريق إلى الحقيقة يمر من القلب، لا من الرأس. فاجعل قلبك، لا عقلك دليلك الرئيسي. واجه، تحد، وتغلب في نهاية المطاف على النفس بقلبك. إن معرفتك بنفسك ستقودك إلى معرفة الله". فانغمس في العالم يا صديقي واعرف نفسك. وأخيرا لا تتخل عن الأخر ولا تستسلم لهلوسات الذات، فكما قال رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"، فتودد وارحم وتعاطف لكي لا تسقط.