شعار قسم مدونات

ضحيةُ وعد زواج كاذب!

blogs ضحية حزن

قبيل عام من الأن وصلتني رسالة من أنثى، لا أعرفها اسما أو شكلا أو حتى واقعا، كانت الرسالة على شكل استشارة ومضمون الرسالة كله حسرة ولوعة وألم، والذي فهمته من الرسالة أنها امرأة غُرر بها من رجل حيث أنه وعدها بالزواج ثم هجرها دون سبب على حد قولها وتقدم لخطبة صديقتها المقربة، ومن فترة بسيطة سمعت بقصة مشابهة حيث أن الرجل ترك الفتاة وتزوج قريبتها، لأنها تفوقها بعدة أمور من شكل ومال وحسب.

وبغض النظر عن هذه القصص المتكررة مؤخرا، وبغض النظر عن مدى مصداقية هذه القصص، ومدى قذارة هؤلاء الرجال وخستهم إن صدقن هُنَّ في قصصهن، إلا أنّ القضية باتت شائكة ومتكررة كثيراً في السنوات الأخيرة وهو أمر يستدعي وقفة جادة للبحث في أسباب المشكلة كمشكلة عامة، ولكن قبل الخوض بالمسببات هناك نقطة مهمة تغفل عنها الكثير من الإناث على وجه تحديد ولا بد من إدراكها، ولا بد من الصدق مع أنفسنا بها والاتفاق عليها.


ألا وهي أن في كل الحالات لا أدري لماذا تتعامل المرأة مع الرجل بمبدأ أنها الضحية التي يُغرر بها وهي لا حول لها ولا قوة، وأن ليس لها أي يد بالموضوع، متناسيةً أنها مخلوق مكلف كالرجل تماما، عندها عقلها الذي ستحاسب عليه، وعندها عملها الذي ستُسال عنه، ولولا موافقتها لما حصل ما حصل، وإن كان الرجل يتحمل تبعات مسؤوليته من خداع وتغرير، فالمرأة أيضا محاسبة على تسليمها نفسها للرجل وثقتها العمياء ونسيان حق الله، وعدم مراعاة أحكام الله في تعاملها، وتساهلها معه، وهذه نقطة مهمة ومنتشرة وتساق من قبل كل الإناث المُغرَر بِهن، ولا بد من الإقرار بها قبيل الحديث عن المسببات الرئيسية والعامة. 

وفي ضوء هذه القصص لاحت ببالي بعض المسببات والتي باتت مشكلات عامة نعاني منها مؤخرا في مجتمعاتنا بكثرة، وأجزم أن هذه المشكلات تشكل السبب الرئيسي وراء قصص كهذه:

هذا الزمان يحتاج من كل عاقل أن يتحسس موضع قدميه، ويعلم ما له وما عليه، وأن يفتش عن الأصول قبل القشور، وعن الحقائق قبل الظواهر، والله بعدها يتكفلُ بالباقي

أولا: في السنوات الأخيرة كنت مطلعا إلى حدٍ ما على مشاكل الكثير ممن حولي وأسرارهم، والحق يقال أن الذي أدركته واكتشفته أن مجتمعنا يعاني من أزمة بل من كارثة أخلاقية ونفسية وتربوية، وهي معقدة بشكل مخيف جدا، فما بين تدين سطحي شكلي، وأمراض نفسية، وتضييق فكري، وتربية فاسدة، وتفكك أسري، وأزمات اقتصادية، نتجت هذه الكارثة الكبيرة مخلفةً بشراً غير أسوياء أبدا، كل همهم كيفية اشباع شهواتهم وفقط ولو كان ذلك على حساب غيرهم من النفوس على مبدأ (اللهم نفسي وفقط).

ثانيا: لاحظت وصدقا بلا تحيز أن السبب في كثير من الأحيان في مقل هذا النوع من المشكل يعود "للذكور" دون الإناث، بل وفي مراجعة ذهنية سريعة لما أذكر من حالات كنت على إطلاع بتفاصيلها كانت نسبة الخلل الضخم عند الذكور في مقابل مثله عند الاناث نسبة تصل لضعفين أو ثلاثة، ولولا خوف المبالغة لزدت في النسبة، ففي عشرات القصص التي أعرفها لا يحضرني سوى القليل من الحالات كان المخطئ تماما فيها الأنثى، والباقي يحوز الذكور على النصيب الأكبر في سبب المشكلة، وقلة من الحالات فقط هي التي ترجع لعدم التوافق التي نعبر عنها بـ (قسمة ونصيب).

وفي معظم الحالات تشمل مشاكل الرجال اللامبالاة وعدم تحمل المسؤولية أو الخيانة أو الدياثة أو استغلال الزوجة أو الأنانية المفرطة. قائمة ضخمة من السلوكيات المرضية والمنحرفة التي تؤكد أن عنصر الذكور يحتاج لإصلاح ضخم وإعادة تربية متزنة في زماننا، ولا محيص من التفتيش عن الأسر الطيبة والتدقيق في أصل التربية السوية، وعدم الاغترار بالتدين الشكلي.

فالخلاصة أن هذا الزمان يحتاج من كل عاقل أن يتحسس موضع قدميه، ويعلم ما له وما عليه، وأن يفتش عن الأصول قبل القشور، وعن الحقائق قبل الظواهر، والله بعدها يتكفلُ بالباقي، ولا نقول هلك الناس، فالخير لا زال قائم وموجود، ولكنها إشعارات تحذيرٍ وتنبيه لمجتمعٍ يتعامل مع الحياة بسطحية مغرفة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.