شعار قسم مدونات

مشاهير الفيسبوك.. شهرة سريعة وإنتاج ردئ

BLOGS الفيسبوك

لا أحد يستطيع أن ينكر الدور الذي يلعبه الفيسبوك في تكوين مشاهيره بغض الطرف عما يقدموه من محتوى، وإن كان لا يرقى إلى مطالب الجمهور الناشئ؛ والمقصود بالجمهور الناشئ في هذا الباب، أولئك الوافدون الجدد على مواقع التواصل الاجتماعي، فيكفيك أن تخالف الآداب العامة والأخلاق الحميدة لمجتمع ما، وأن تسبح ضد طياره، لتجد نفسك تتقاذفك المشاركات في المجموعات والصفحات الفيسبوكية، وبكثرة المشاركات تصير مشهورا لدى رواد الموقع الاجتماعي.

 

فهم يتبادلون ما قدمته إما سلبا يسخرون منك ويستهزؤون بك، أو إيجابا يزكون ما قدمته ويجدونه يتماشى وحالتهم النفسية في تلك اللحظة، وذلك كله بدون نية التشهير بك، لكن؛ ولأن الموقع الفايسبوكي اختزل العالم في قرية صغيرة، فأصبح سكان القارة الأوروبية يمسون على ما ينشره سكان شمال إفريقيا وجنوبها والعكس صحيح، فينتج عن تلك المشاركات الكثيرة مشهور في مجال ما، ينال أوسمة وتكريمات، ويحظى باستضافة من الإعلام الخاص والعام، وامتيازات على حساب المواطنين البسطاء، أما حفلاته أو أمسياته، فتذكرة حضورها صارت أثمن ما تملك في تلك اللحظة، هذا إن وجدتها.

ينال هذه الشهرة وهذا التكريم كله، رغم أنه لم تطأ قدماه معهدا للدراسة، أو التكوين، أو التعلم، ومع ذلك يصير سيد قومه في ذاك المجال، وقدوة للآخرين، ومرجعا للمعلومة، ومضربا للمثل كإنسان ناجح، دون أخذ الاعتبار بكيفية نيله حظوته في الشهرة، فمبدأهم في ذلك، هو الغاية تبرر الوسيلة، إذا؛ ليس عيبا أن تخالف الكل لتتميز، فالقاعدة تقول: خالف تعرف، وليس عيبا أن تبحث عن شهرة زائفة، تقوم على فسيفساء الأمور وصغائرها، ولكن العيب كل العيب، هو عندما يهتم الإعلام المضلل بالتافه من الأمور، ويترك عظماءها الذين أسسوا لنظريات أفادت العباد والبلاد.

 

حفاظا على أمن المجتمع وسلامته من الرذائل الهدامة لحضارة أمتنا، يجب علينا أن نعيد النظر في تعاملنا مع مواقع التواصل الاجتماعي، ومع من نتواصل

فاعلموا حينئذ _ أجاركم الله_ أننا أمام مؤامرة تغييب الشعوب تماما عن الواقع البئيس، ومحاولة تنويمها وتمويهها بأن النجاح هو أن تكون مفلسا أخلاقا وخلقا وحتى فكرا، وأن يكون ما تقدمه للمجتمع عبارة عن ملهيات وتسلية لا أقل ولا أكثر، ونكون بذلك أيضا أمام سفينة تغرق في قاع الجهل والفقر والمرض وجميع الأمراض المزمنة التي تنخر جسم المجتمع، ويستعصى علاجها على أهل الحل والعقد، ومع ذلك يروجونها كدليل على رفاهية حياة الأفراد ورضاهم على واقعهم المعيش، وإن كان واقعهم أكثر بؤسا مما يروجه إعلامهم، لكن لا أحد يعلم أنه إذا اضطربت القيم الأخلاقية للمجتمع، سيصبح الخروج عن القانون والعرف والعادة والدين أسهل بكثير من المحافظة على القيم الأخلاقية.

 

فحينئذ لا يجب عليك أن تستغرب إذا رأيت الأنوثة تغتصب بين أقدام الرجولة، وأمام الملأ دون حسيب ولا رقيب، والتي كان من اللازم عليه، حمايتها والحفاظ عليها بدل هتك عرضها وتشويه سمعتها أمام القاصي والداني، وسترى أيضا الانحلال الأخلاقي والانحراف الخلقي أصبح موضة، وأصبح سمة وعلامة على الحضارة والانفتاح على باقي الثقافات، وستتفاجأ عندما ترى أن اللص والمنافق والمحتال والنصاب نعوتهم أصبحت دلالة على الذكاء الخارق والإنسان الناجح، وسترى أن الفن تحول إلى عفن، وذلك باعتماده على الرقص الماجن والعري الفاضح، بدل نغمة الإيقاع وقوة الكلمة والإحساس، وسترى أن التعري دليل على التقدم والحضارة، وسترى بأن الحداثة هي إقامة علاقة غير شرعية علانية، ومرد ذلك كله، الفهم الخاطئ للحياة من لدنا، واختزالها في شهرة صنعتها أسماء مستعارة ومزيفة، تصير حبيسة الإعلام يقلبها حيث يشاء، ويرسم لها الصالح على وجه الطالح، وهلم جرا من أفكار مدلسة، تدس السم في طياتها، فنستهلكها دون مبالاة لخطورتها على الفرد والمجتمع.

فحفاظا على أمن المجتمع وسلامته من الرذائل الهدامة لحضارة أمتنا، يجب علينا أن نعيد النظر في تعاملنا مع مواقع التواصل الاجتماعي، ومع من نتواصل، وما هي الأهداف المتوخاة من ذلك التواصل؟ ويجب علينا أيضا، إعادة النظر فيما نشاركه على صفحتنا ومع أصدقائنا، فرب معلومة تفيد بها غيرك تشفع لك ذات يوم أمام العباد وخالقهم، فمثلها مثل الصدقة الجارية التي يبقى أثرها ينتج لك حسنات ما دام اسمك لصيقا بها، والعكس صحيح أيضا، إن نشرت ما يسيء لك ولمجتمعك.

 

وحاول أن تقلل من متابعة من لا يستحق المتابعة، لتكون على الأقل بذلك، قد غيرت المنكر بيدك لأنك لم تضغط على زر المتابعة، وغيرته أيضا بقلبك لأنك لم تساهم في نشر الرذيلة، وتذكر دائماً، أن القيم الأخلاقية، هي قاعدة البناء الراسخة التي تقوم عليها مبادئ المجتمع المتحضر، والذي يصون حقوق الأفراد وحرياتهم، فهي درع واقي من العواصف التي تتسبب في انهيار المجتمع، أو تحويله إلى مجتمع تحكمه الغرائز والشهوات، وتسود فيه قوانين الغابة، وهى أيضا أساس صلاح المجتمع، ووسيلة رادعة لمحاربة الفساد والانحراف، لذلك أصبح من الضروري إعلاء منظومة القيم في مجتمعنا، بدل إعلاء شخوص لاهم لهم سوى رصيد بنكي، يفتح لهم باب الهجرة إلى بلد أجنبي، حيث توجد العدالة الاجتماعية، والعيش الكريم، ولا مجال فيه للشهرة الزائفة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.