فكان لا بد من التوسل بأي ذريعة كانت للتواجد في المنطقة، والبقاء فيها، حماية لتلك المصالح ودفاعا عنها، ولهذه القوى العظمى حاجة ماسة للحد من التغول الإيراني والتمدد التركي، لم يترتب عن ذلك من أخطار مستقبلية، قد تنتهي بنفيها من المنطقة وطردها منها، في حال تحول الدولتين إلى قوتين إقليميتين، بل قد ينجم عن ذلك تهديد وجود إسرائيل ذاتها وهو الأمر الذي لا تريده القوى الثلاث الممثلة في أمريكا وبريطانيا وفرنسا، ثم أن الرئيس الأمريكي الذي يرفع شعار "أمريكا أولا" له أجندته السياسية الخاصة التي يسعى لخدمتها من وراء هذا العدوان الثلاثي المنفذ، فهو يريد أن ينفي به ارتباطه بروسيا التي يروج أنه استعان بها في حملته الانتخابية، وليقطع بذلك الطريق على المحقق "مولر" الذي بدأ يضيق الخناق عليه من جهة، ومن جهة ثانية تحسين وضع الحزب الجمهوري، المقبل على الانتخابات عما قريب.
الدول العربية والإسلامية عليها أن تعتمد بالدرجة الأولى على قواها الذاتية في حماية مصالحها، وأن عليها أن تتحرر من التبعية للأجنبي، وأن تدرك مختلف القوى المتصارعة |
وإذن فإن العدوان الثلاثي الذي استهدف سوريا لم يأت لينتصر لضحايا الكيماوي من السوريين، وإنما هدفه الحقيقي هو: فرض وجود القوى العظمى في المنطقة، وانتزاع حق الإسهام في تقرير مصير المنطقة. كما جاء هذا العدوان لإفهام روسيا أنها لا ولن تكون هي اللاعب الوحيد في المنطقة، وجاء أيضا لتنبيه كل من تركيا وإيران أنه ليسا لهما أن يعولا على حليفهما الروسي وأنه أضعف من أن يوفر لهما ما يطمحان له من دعم ومساندة.
وأخيرا وليس آخرا جاء ليؤكد للدول العربية في المنطقة عبر سوريا أنه من غير المسموح لهم التفكير في التملص من العلاقات والوشائج التي تربطهم بأمريكا وأوروبا، وأن لا حليف يمكنه أن يحميهم من بطش القوى الممثلة لها.
يبقى أن الذي يعنينا من هذا السناريو كله، أن الدول العربية والإسلامية عليها أن تعتمد بالدرجة الأولى على قواها الذاتية في حماية مصالحها، وأن عليها أن تتحرر من التبعية للأجنبي، وأن تدرك مختلف القوى المتصارعة سواء تلك التي على الأرض، أو تلك التي تؤجج الصراع من وراء الستار، لن تتورع عن الامتناع عن نصرتها في الساعة الحرجة، خدمة لمصالحها، وحماية لوجودها، فها هي روسيا التي كانت تهدّد وتتوعّد بالرد القاسي على أي عدوان أمريكي، تمتنع عن الرد عليه مخافة أن يتولد عن ردها حرب لا قبل لها بها، ذلك هو أهم درس يستفاد من موقف روسيا من هذا العدوان، فهل يعيه العرب ويعملوا بمقتضاه؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.