تقول الكاتبة والمدونة السودانية سامية جلابي "هناك أصدِقاءٌ كالشَجر ثابِتونَ لا يتزحزحونْ، وآخرونَ كصفقِ الشجرِ يتساقطونَ!" وتقول أيضًا "أصدقاءٌ يُضيئُونْ وآخرونَ يَقتلهم الضوء". قبل هذا الموقف الذى حدث لي لم أكن لأفهم ماهية الصداقة، وماهية الصديق لكنها الأيام تُثبت وبالدليل صدق كلام سامية جلابي أنه بالفعل هناكَ اًصدقاء كالشجر ثابتون لا تهزهم الريح ولا يقتلهم الظمأ اذ أن جذورهم تثبتهم في الأرض، وآخرون كالورق يتساقطون في أول هبة ريح هذا بالضبط ما حدثَ لي.
شعرت برغبة هائلة في رؤيته، أتصلت عليه وأخبرته أنني أريد رؤياه ولم تكُن هذه المرة الاولى التي أطلب منه هذا الطلب اعتذر بحجة أنه مريض ولا يقوى على الحركة، تحاملتُ أنا على نفسي وذهبتُ له بيته بالرغم من أنني كُنتُ مُتعبًا، لأنني مٌصاب في حادث وقمتُ بإجراء عملية جراحية والأطباء نصحوني بلزوم الفراش تمامًا ولكنني كُنتُ أخرج إلا للصلاة فقط وذلكَ لقرب المسجد من بيتي، وعندما وصلتُ لبيته البعيد عنى بعض الشيء بصعوبة بالغة أخبرتني شقيقته الصغرى أنه ليس هنا وإنما خرج لشيء هي لا تعلمه، أحسنتُ الظن وقلت أنه لا بدّ وأن ذهبَ إلي الطبيب، تفهمتُ مدى صِدقه وتقبلتُ الأمر، بل وشعرتُ بحرج أنني لم أذهب لزيارته.
من منكم كان له صديق ولم تختبره المواقف والأيام لا تقل عليه صديق حتى تبرهن لك أفعاله أنه يستحق أن يكون صديقك لا كلامه المعسول الذي يصفى على لا شيء، مُمتن للمواقف والأفعال التي تُظهر صدقًا أو تظهر نفاقًا |
وتشاء الأقدار أن ينكشف لي كذبه و بالصدفة وانا في الطريق مارًا علي بيت أحد أصدقائي ـاللذين هٌم علي شاكلتهـ أخبرني أن صديقي هذا، كان هنا من ثمة وقت قليل وأخبره أنه محروجُ مني إذ أنه لم يزوروني منذ مدة، بعد يومين اتصلت عليه مجددًا لأخبره مرة رابعة أنني أريد رؤياه، فقال لي يا صديقي آسف لأنني لم آتِ إليك في المرة الماضية وأعدك أن أأتي إليكَ غدًا، انتظرته في اليوم التالي واتصلتُ عليه لم يرد وانتظرته أن يأتي في أي وقت لمدة شهرين كاملين لكنه لم يفعل.
وبعد مرور شهرين من هذا الموقف وأنا مازال بي بعض التعب وكنت عند الطبيب وعائد إلى بلدتي وفي مدخلها ألتقيتُه ولم أحدثه في أي شيء بخصوص انه لا يأت لي، كان يتكلم بكل بلاهة ويقول أي شيء ليس له معنى، لاحظتُ الارتياب في عينيه لكنني لم أكترث لأي شيء، كانت كلماته مرتجفة، تَنُم عن خجل واحساس بشع بأني لم أُعاتبه لأنني أعرف أني لن أجد مبررًا وحيدًا واضحًا ولن تقنعني إجابته ابتسمتُ فقط بكل بساطة ثم رحلت..
لم أعامله كصديقي بعد هذا الموقف، إنما كشخصُ عابر لا يعني لي شيء حتى وإن كان يعني لي من قبل، لم أحزن على مشاعري الصادقة التي كُنتُ أُكِنها له يومًا ما، لكني أصبتُ بالذعر حينما انكشفت مشاعره المزيفة تجاهي، الأصدقاء كالعملات النادرة يغطيهم الكلام ويفضحهم الفعل، وبالمناسبة لم يكن هذا هو صديقي الوحيد الذى سقطَ من نظري، تساقطَ معظمهم واحدًا تلوا الآخر لكن هذا الصديق بالذات سقوطه كان مٌشينًا لحد أنا لم أتخيله.
وكما انطفأ بعض الأصدقاء لمعَ آخرون في عيني، فعلي سبيل المثال لي صديق صدوق كقصر مشيد، يأتي إلي كأنني تحفة نادرة يأتي ليتفحصني ويطمئن عليّ لا يتركني كبئر خربة انقضى منها الماء وتركها أصحابها وحيدة مثل ما فعل من كُنت أحسبهم أصدقاء بالرغم من أنهم لم يكونوا.
فمن منكم كان له صديق ولم تختبره المواقف والأيام لا تقل عليه صديق حتى تبرهن لك أفعاله أنه يستحق أن يكون صديقك لا كلامه المعسول الذي يصفى على لا شيء، مُمتن للمواقف والأفعال التي تُظهر صدقًا أو تظهر نفاقًا، شكرًا للأصدقاء الذين كانوا، شُكرًا للأصدقاء الاوفياء ووردة والسلام عليهم أينما كانوا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.