ثم لاحقًا فهمت من هم الجن الأزرق، بعد أن أخذوا جارنا نفسه طبعًا "لأن لسانه طويل" كما قال أهل الحي حينها… وفهمت شيئًا بعد شيءٍ أن المعلمة مغلوبٌ على أمرها، تكذب لتأكل، وأن القائد الخارق وعائلته ليسوا سوى مصاصي دماءٍ يقتاتون على دم الشعب، ويطعموه الخوف.
حتى الشياطين تعمل تحت راية البعث، وهل هنالك راية أكثر شرًا منها لينضموا إليها؟ ولتعلموا أيضًا أنكم أنتم وإنسانيتكم ومجالس قلقكم الكاذبة قد سقطتم في عيوننا كما سقط الأسد |
ولا أظن أن هذه حالي فقط، إنما هي حال كل الشباب الذين ثاروا على الجن الأزرق.. على شبح الموت والخطف والمعتقلات والمخابرات الذي خيم على الوطن، وغطى شمس الحرية لأكثر من أربعين عَقدًا، ثاروا على الخوف الذي عشش في قلوب الكبار، أولئك الذين استقبلوا ثورتنا بعبارة "جبتولنا البلا" فكانوا أشبه بأهل العراق حينما استقبلوا الحسين، قلوبهم معنا، ولكن سيوفهم علينا..
للصراحة لم أستغرب خوفهم، فقد اعتدناه، وما كان للظالم أن يبقى كل هذه المدة لو لم يكونوا خائفين، فالرعب المزروع في قلوب المحكومين هو الأساس الأول لقيام دولة الاستبداد، وهو رأس مال استمرارها. لذلك فالديكتاتور لا يستخدم طريقةً أخرى لبسط سيطرته، فلا يبقيه غير الخوف، وكلما اعتدنا على أسلوب قتل، استخدم أسلوبًا جديدًا، لا بهدف تدمير المدن وقتل الناس فقط، إنما هدفه الأساس هو قتل تلك الروح التي تحررت من قيود خوفها.. ليعيد إليها شبح الجن الأزرق..
وما مجازر الكيماوي إلا رسالة لهذه الروح الثائرة ليقول إنني أستطيع أن أقتلكم كيفما أشاء، وليس هنالك من يردعني، فلا أحد يهتم بحياتكم أو موتكم.. إنكم نكرة. رسالة يعيدها كل مجزرة بثقة وكأنه أخذ إذنًا دوليًا بقتلنا.. فما نراه ونسمعه من ثرثرةٍ وتشكيكٍ في التصريحات العالمية والتي تكاد تُختصر بمعنىً واحد "سنعاقب الأسد إن تحققنا من استخدامه للكيماوي"! ومن بربكم لديه الصواريخ والطائرات غير الأسد!؟ وهل يحتاج ذلك إلى تحقيق؟؟ إلا إذا كنتم، دام عقلكم، تملكون عقلي الطفولي، وتعتقدون حقًا أن الجن من تحرك الطائرات ترتكب المجازر، وتخنق الأطفال والنساء بالكلور والسارين.. فهل تحضرون دروس ديانةٍ بعثية!؟
لعلمكم إذًا.. حتى الشياطين تعمل تحت راية البعث، وهل هنالك راية أكثر شرًا منها لينضموا إليها؟ ولتعلموا أيضًا أنكم أنتم وإنسانيتكم ومجالس قلقكم الكاذبة قد سقطتم في عيوننا كما سقط الأسد. حتى وإن تحركتم، لن تتحركوا لنصرة المظلوم إنما لتظهروا تفوق سلاحكم وتزيدوا سعره ثم لتسرقوا نفطنا، فكيف تقطعون ذَنَبًا أنتم رأسه، ومسخًا حمى حدود الصهاينة أربعين عاماً، وقزّم دور أرض وسعت حضارتها العالم، فلن يكون تدخلكم إلا من مبدأ "إذا أردت أن تحارب قضيةً فدافع عنها بضعف".. قد حفظناكم بقدر ما نحفظ جراح هذا الوطن، فرهاننا لم يكن يومًا عليكم، أنما على مَلِكٍ لا يظلم عندهُ أحدٌ، فثورتنا بدأت بقولنا "الله أكبر"، أكبر منكم ومن كل ظالمٍ، ونعلم يقينًا، بل عين اليقين، أنه ما اشتدت أزمةٌ إلا لتنفرج، وأنه " لن يغلب عسرٌ يسرين"، وأنه ما عسعس ليلٌ إلا والصبح بعده تنفس، "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".