شعار قسم مدونات

اختاروا كلماتكم أولا!

مدونات - امرأة

هل سبق وأن تلفّظت بكلمة لأحدهم مازحا أو بقصد، رأيتها أنت مزحة ولكن بالنسبة له هي عقدة، هل فكرت في تأثير ذلك عليه حين يخلو إلى حال سبيله؟ إذا كان الجواب بلا فحتما ستكون أنت من تعرض لهذا الموقف. كلمات بسيطة من بضع حروف قد تنطلق كالسهم لتنغرس في القلوب، لتحيي جرحا كان على وشك الشفاء، أو عقدة منسية، أو حلما بات من الصعب تحقيقه، أو أمجاد عزيز رحل دون عودة، أو ذكرى سيئة كادت أن تُنسى، لتترك في أعماق النفس جرحا لا ينزف دما، ولا يحدث كسرا، ولا يشوه عضوا، لكنه لا يلتئم بضمادة وبلسم كما هو الحال بالنسبة لجرح الجسم، فرُب كلام كالحسام، ففي بعض الأحيان بل وفي أغلبها تكون جروح الجسد أقل قسوة من جروح النفس والمشاعر، وكما يُقال: جراحات السنان لها إلتئام.. ولا يلتئم ما جرح اللسان، فالأولى تلتئم مع الوقت والعلاج والعناية، أما الثانية تبقى محفورة في الأعماق لتتحول إلى عقد نفسية وأحقاد مدفونة تؤدي بمتلقيها إلى الاكتئاب والعزلة عن البشر في بعض الأوقات.

 

قد تكون بعض تلك الكلمات والأسئلة الجارحة نابعة من فضول أو قيلت دون قصد التجريح لكن هذا لا يمنع من ضرورة اختيار الألفاظ أولا والكلمات اللطيفة، ولا يمنع من أن نضع أنفسنا مكان المتلقي لمعرفة مدى صدى تلك الكلمات على أنفسنا، وهل سنرضاها لأنفسنا أولا. والصنف الآخر من الكلمات يكون عن قصد بغرض التجريح لما تكنه بعض النفوس الخبيثة من حقد دفين ولا مبالاة بوقع ذلك على النفس. هي أحداث وظواهر نعيشها كل يوم في مجتمعنا، لو كان لموجهيها القليل من الإدراك والتفكير، لما فكروا في التلفظ بتلك الكلمات أو الأسئلة الجارحة، كأن تسأل امرأة لا تنجب، لِم لَم تنجبي بعد، ما سبب ذلك؟ ألم يحن الوقت بعد، متى سنرى أبناءك؟ أو عاطل عن العمل، ألم لَم تشتغل بعد؟ أو أن تتوجه بكلمة قاصدا التجريح والتهكم، أو الاستهزاء بصديق بعيب فيه أمام الناس بهدف سرقة لحظة من الضحك، كلمات وأسئلة تحمل من الغباء والتفاهة أكثر ما تحمله من الوقاحة.

 

ما الذي يدعونا إلى الشر والخير أسهل، ما الذي يقودنا إلى زرع كلمة خبيثة بينما بإمكاننا غرس كلمة طيبة، يقول الله تعالى: "قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا". فلنختر كلماتنا ولننتق منها الطيبة

قبل أن تنطق كلماتك تلك، فكر في أنك ستجرح نفسا لطالما كان كل حلمها طفلا يملؤ البيت ضجيجا ومرحا، لطالما ضحت بكل شيء وفعلت المستحيل لرؤية ضحكة ملاك بريء، فكّر في أنك ستقهر قلبا سئم من البحث عن عمل يعيل به أسرته وطرق كل الأبواب وعاد خائبا، فجميع هؤلاء يعلمون تماما وضعهم لا داعي لتذكيرهم بذلك، وهم حريصون أكثر منك للوصول إلى هدفهم، فلا داعي لتذكيرهم بها في كل مرة وتجديد أحزانهم كل فترة والعزف على آلامهم، ولا داعي لنطق كلمات قاسية لا إجابات لها سوى علامات تبقى عالقة بنفوس المتلقين، لا عبارات الأسف والاعتذار تمحوها، ولا الزمن يضمدها، ولا الندم يخفف صداها.

 
اعلم أن كل هؤلاء وغيرهم ممن جرحهم لسانك دون تفكير، قد يبتسمون في وجهك محاولين إخفاء أثر الرصاصة التي وجهتها لهم، قد يمنعم كبراؤهم من التظاهر بالألم أمامك، فيتظاهرون باللامبالاة، لكنهم حتما سيسترجعون كلماتك فور مغادرتك، سيفقدون عزيمتهم، سيلومون أنفسهم، سيتذمرون.. بينما أنت قلت كلماتك تلك وغادرت متناسيا.

 

بخلاف ذلك فكلمة الطيبة قد توجهها لمكتئب أو حزين أو قلب لا يعلم بحاله إلا الله تزرع البهجة في نفسه وتعيد له ثقته بنفسه، كلمة بسيطة تخرجه من ظلمته إلى نور الحياة والأمل، يقول الله تعالى: "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ، وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ، يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء"، (سورة إبراهيم، الآيات 24 – 27).
    
فما الذي يدعونا إلى الشر والخير أسهل، ما الذي يقودنا إلى زرع كلمة خبيثة بينما بإمكاننا غرس كلمة طيبة، يقول الله تعالى: "قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا". فلنختر كلماتنا ولننتق منها الطيبة، فالكلمة الطيبة كالأجنحة تحلق بمتلقيها عاليا وتزرع في النفوس روح الأمل والمضي قُدما. هي كلمة واحدة قد تكون بلسما ونسمة هادئة، أو شحنة شر وحقد، حسب اختيارنا، فلنختر كلماتنا جيدا ولتكن مفتاحا للخير لا الشّر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.