شعار قسم مدونات

النزعة التغريبية وفقدان البوصلة

Blogs مجتمع

التغريب كما عرفه بعض المهتمين بالشأن الفكري هو تيار فكري ذو أبعاد سياسية واجتماعية وثقافية يرمي إلى صبغ حياة المسلمين بالأسلوب الغربي وذلك بهدف إلغاء شخصيتهم المستقلة وخصائصهم المتفردة وجعلهم أسرى التبعية الكاملة للحضارة الغربية صحيحها وسقيمها، يعتبر التغريب الامتداد الرسمي للاستشراق في البلاد الإسلامية وهو بمثابة حرب فكرية على الهوية الإسلامية بالخصوص حيث يسعى جاهدا دعاة التغريب إلى صياغة مجتمع نسخة طبق الأصل للنموذج الغربي بجميع سلبياته، بل نجد بعض هؤلاء يجعل استيراد الأفكار المميتة من أولى أولوياته في مشروعه التغريبي! عوضا عن الدعوة إلى ترجمة العلوم والاستفادة من التقدم التكنولوجي، وكذا دراسة التاريخ لمعرفة طريق العودة من جديد إلى أمجاد الأمة الإسلامية.

 

فالملاحظ أن أغلب هؤلاء التغريبين إن صح التعبير يطعنون في ثوابت الأمة كأحكام المواريث في الإسلام وشرعنة الفواحش في المجتمع ناهيك عن الدعوة للتفسخ والانحلال الأخلاقي تحت رداء الألفاظ الرنانة. ومما لا شك فيه أن التنكر للهوية مرض عضال ألم بشباب هذه الأمة علاوة على ذلك فقدان قيمه ومبادئه بل وعقيدته. ومن أبرز العوامل التي ساهمت أو تساهم في تصاعد المد التغريبي في الساحة العربية الإعلام الغير النزيه، حيث تتجلى قوة الإعلام في تشكيل الرأي العام ثم تليه الهزيمة النفسية أمام التقدم المادي للغرب ولا يمكن إغفال دور دعاة التغريب باعتبارهم عملاء أوفياء لأسيادهم وخونة لأمتهم ووطنهم ودينهم.

 
التقليد الأعمى هو حال غالبيتنا التي تتجرد من هويتها وكرامتها لتنجرف بسهولة كقطعان الأغنام لا مبادئ لها ولا خصوصية تحدد تصرفاتها، ومن أكبر الدعابات التي سمعتها في حياتي هو قول بعضهم أن لا طريق نحو التقدم الحضاري إلا بنبذ هويتنا وراء ظهورنا وبناء حياتنا وفق القالب الغربي، لكن هذا ادعاء يكذبه التاريخ الشاهد على حضارات تاريخية أحدثت ثأثيرا بالغا في الإنسانية بنيت على قنطرة الهوية والخصوصية. يقول رشدي فكار: أنا لا أعتقد أن العالم الإسلامي يعاني من أزمة اقتصادية أو اجتماعية ولكنه يعاني من عقلية التخلف، وقد أحسن رحمه الله في تحديد مكامن الخلل في الانحدار الحضاري.

  

إذا أردنا أن نمثل لنماذج مرت في تاريخ الأمة كانت في خدمة تامة للتيار التغريبي فأول من يتبادر إلى ذهننا الرئيس التركي كمال أتاتورك حيث قطع كل الصلة بالإسلام بقوة الحديد والنار
إذا أردنا أن نمثل لنماذج مرت في تاريخ الأمة كانت في خدمة تامة للتيار التغريبي فأول من يتبادر إلى ذهننا الرئيس التركي كمال أتاتورك حيث قطع كل الصلة بالإسلام بقوة الحديد والنار
  

الواجب أولا هو تعديل اتجاه البوصلة نحو الاعتزاز بهويتنا الإسلامية العربية والعمل على سد قنوات نفود التيار التغريبي، فخطورته تكمن في طمس الهوية وزيادة هوة التخلف وتعميقها لذلك فقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من مثل هذه النزعات فقال "لتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ، قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى قَالَ فَمَنْ" نستخلص من هذا الحديث النبوي أن التبعية العمياء من الانتكاسة وعدم التبصر. قد يعترض بعض القائلون أن كل الأمور التي نحتاجها في عصرنا الحاضر تأتينا من الغرب فكيف السبيل إلى مقاطعته؟ وهذا يعتبر فهم قاصر لأن ما يجب أن نعلمه هو أن الحضارة مشترك إنساني لم تنفرد أمة من الأمم في بناءها بل نجد المسلمين الأوائل هم من وضعوا أصول العلوم التي بنى بيها الغرب حضارته الحالية، وما من أمة إلا ولها لمسة في البناء الحضاري لذلك فيعتبر ما نراه اليوم من تقدم وازدهار على وجه البسيطة لا علاقة له بالنزعة التغريبية لأن التغريب أهدافه منصبة على استيراد زبالة الحضارة الغربية ومخلفاتها ومحاولة تبيئتها في الوسط الإسلامي وهو ما يتنافى مع خصوصيتنا وطبيعة هويتنا.

 
وإذا أردنا أن نمثل لنماذج مرت في تاريخ الأمة كانت في خدمة تامة للتيار التغريبي فأول من يتبادر إلى ذهننا الرئيس التركي كمال أتاتورك حيث قطع كل الصلة بالإسلام بقوة الحديد والنار، ومن أعماله الشنيعة إلغاء الآذان بالعربية واستبداله بالتركية، كما قام بمنع تدريس الإسلام بالمدارس والجامعات التركية ودعا إلى قومية طورانية عرفية متصلة الأواصر بالوثنيين السابقين للإسلام، ولقد كان خادما وفيا للمخطط الذي رسمه الاستعمار واليهودية العالمية الذي يتمثل في طمس الهوية الإسلامية العربية وإقبارها، وبذلك حقق مصطفى كمال في العالم الإسلامي وفي مواجهة العروبة أخطر حركة تغريبية وفرضها فرضاً على الأمة التركية بالإرهاب الدموي.

  
فيتبين لنا بعد هذه البراهين الساطعة أن التغريب لا يسعى للتقدم والازدهار كما سعوا في إظهاره، وإنما هو خطوة نحو تعزيز التخلف، ويدرج ضمن التيارات الهدامة المستعملة من الاستخراب اليهودي الصهيوني خصوصا لإضعاف المسلمين والعرب والسيطرة عليهم وعلى ثرواتهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.