أنا كل امرأة تحدت الذل والهوان ولم تخضع أو تستسلم للألم، أنا كل فقيرة أو متواضعة اتُهمت بالغنى وكأن الفقر عيباً أو الغنى بمجهود وتعب إثم |
في فترة زمنية ما لا اذكر أهي بضع ساعات أو يوم أو أكثر، شعرت كأنني في فقاعة معزولة سمعياً عمن حولي أراهم ولا اسمعهم ويرونني ولا يسمعوني. وبما أنني على علم وثقافة تكفي لتحديد ما بي فقد قررت قراءة بعض الكتب حول موضوعٍ معين عليّ أصلح هذا الشرخ في روحي. تذكرت أيضاً الدكتور مصطفى محمدود ورحتله مع الإلحاد، وحاولت التعمق بها كثيراً لأرى السبب الحقيقي وراء اتخاذه مثل هاذا القرارة في البداية، ولكنه لم يكن قلة الصبر كما في حالتي بل كان كثرة العلم. تذكرت مقولة للفيلسوف دالاي لاما وهي، إذا يأست فعالج الناس بالحب وإذا فشلت فزود الجرعة. لم تنجح هذه الوصفة في مجتمع مغلق محروم من أقل حقوقه فيضطر أفراده لتفريغ شحناتهم السلبية في بعضهم البعض. في بلادنا لا فائدة من الحب والأمل والكتابة والعمل فكلٌ سيفسر أفعالك بما يحتويه جوفه. في بلادنا لا فائدة من نشر نشاطاتك، ستفسر بناءاً على أهواء الناس ولربما بدلاً من أن تكون مصدر سعادةً لك، تكون مصدر بؤس وحزن.
أنا، من أنا. من أكون. أخبريني، علّي أخبرك بما يجول في بالي كاتمةً، أيتها الحياة. أنا امرأة شرقية تصر على العيش بعقلية طفلة في عالم الكبار الذي شعرت فيه بالغُربة، أنا امرأة تعلمت أن تفرق الخير من الشر على يد والديها أولاً، ثم أخوتها في مرحلةٍ ما وأخيراً وأبداً على يد زوجها. أنا امرأة شاءت الاقدار أن تُبتلى بكل ما عصمت نفسها عنه لتبدو إنساناً كاملاً ليدمره شخصٌ ما بكلمة ما باسم الدين. أنا هي أنا هذه الفتاة البسيطة أمامك. ذلك الكتاب المفتوح للجميع. لكني لستُ مريم ولا أمتلك صبر أيوب، يا الله. أنا لستُ الفتاة التي كنت اتمنى أن أبقى، ولست المرأة التي ينادون. ولكني في الوقت الحالي أعرف ولو بطريقةٍ ما من أكون. أنا هي كل فتاة رسمت الحياة بألوان قوس قزح ورقصت حتى تورمت قدامها ذالك اليوم بالفستان الأبيض، وحين دخلت القفص اكشفت ان لا ألوان هناك.
أنا هي كل فتاة أعتدى عليها رجلٌ لا يمس لها بقرابة ولا بسلطة، لفظاً أو فعلاً، متجاهلاً مبادئ الرجولة والدين الحقيقية والأخلاق، فرفضت أن تشتكي به أو أن تتحدث عن الأمر. أنا كل فتاة ضعيفة تدعي القوة، اتهمت بما ليس بها، وكلما حاولت التحدث لأحدهم عن الأمر، تجمدت يداها أو ركبتاها خوفاً. أنا كل فتاة ذكية أتعبها ذكائها فرأت وسمعت وعلمت كل ما تخفونه وقررت الصمت، فتداركها الصمت وتخلى عنها وصنع منها مجرمة بتهمة الذكاء والولاء له. أنا كل امرأة آثرت وضحت ووقفت بجانب زوجها عن حبٍ ورضا وطيب خاطر. أنا كل امرأة تحدت الذل والهوان ولم تخضع أو تستسلم للألم. أنا كل فقيرةٍ أو متواضعةٍ أتُهمت بالغنى وكأن الفقر عيباً أو الغنى بمجهودٍ وتعبٍ إثم. أنا كل فارسٍ مجهول ضحى بأغلى الاشياء على قلبه لكي لا يشعر شخصٍ أو أشخاصٍ بأن شيئاً ما قد تغير. أنا كل من فعل خير ولم يعلم أحد يوماً بفعلته.
أنا ابنة أبي وأمي وهم في بداية الأمر، وأنا من تعلمت على يد أخوتي في فترةٍ ما، ومن عُصِمتُ عن الخطأ وتعلمت الحلم على يدي زوجي. في يوم المرأة أنا هي تلك الأنثى التي تعلم بأن خلفها رجال، على هيئة عائلة وقبيلة، أب، أخوة، زوج. في يوم المرأة أنا جزء لا يتجزأ عن زوجي الذي علمني كيف يفوح عطري كأنثى في عالمٍ ملئ بالنساء والاناثُ قليلُ. أنا جزء لا يتجزء عن أي أنثى على هذا الكوكب، أم، ابنة، أخت، زوجة، صديقة، أياً كان عرقها أو دينها، أنا أنتنّ، وأعلم جيداً أنكنّ أنا. يجمعنا الألم والأمل والخيال الذي نحمله في مذكرات عقولنا. يجمعنا حبنا وسعينا لحياة وردية تخلو من الكذب. يجمعنا الإيمان بأن الأفضل لابد قادم. وهكذا وحسب ما بدأت في العنوان، أرغب أن أختم بأن وراء كل امرأة عظيمة مبدأ.