كنت على درب لم يختره أسلافي، ظننت أن هذه الكلمات لا تنطلي على فؤادي، أحمل نفس الملامح التي يحملها كل قومي، ولكنني أعض على لساني أكثر لأن لي حنجرة أكثر غضباً، استرسلت مراراً في لعن الضعف المترتب بصورة كذبات حتى انحرفت ذاكرتي وضاع الجزء الأهم مني، أنت تعلم ماذا يعني أن تكون منقوصاً، كأن تمشي بلا عينيك، أو يمتلأ مكان قلبك بالهواء أو بالعدم، ثم يأتي ذاك الكتف ليلتصق بكتفك المهملة إلى أن تعتدل، أما قلبك فيتلو مخاوفه لا تنس يا صاحبي أنه قد يحيك باسماً ويدير ظهره داعياً عليك بالموت، لا تنس اصاباتك السابقة، تلك التي لم تتمكن منك..
أنكر أن الذاكرة اللعينة بكل ما فيها تشربته ونسيت أن تتشرب قصائدي، نسيت أن تحفظ رقم هويتي، ولو لم يكن رقم هاتفي أرقاماً متتالية في الخوارزمية العددية لما حفظته أيضاً |
لم أكن أؤمن أن كل شيء في هذه الحياة يحدث من تلقاء ذاته، والحقيقة أنني ما زلت منكراً للحتمية الطبيعية، ولكن قضاء القلب هو المحتم الذي لم أكتبه في قائمة مساعيَّ لأي عام، كنت قد قررت الثورة على كل قرار لا يرضيني والحقيقة أنه لا شيء يرضيني، ولكنني لم أحاول جعل العالم يسير وفق ما أرغب به، فليبق عكسي ولأصل رغم أن طريقي طويل والرياح غربية، وقررت أن أبغض كل رجال الأرض عدا أبي، أو أن لا أجعل حب سواه يتقدم عليه، حتى لا تهون يداه، حتى لا يفسد الياسمين الذي رعاه بماء قلبه عشرين عاماً، وكنت أضحك في صدري على كل امرأة تنكث الرضا وتختار أن تكون عاقةً بحق إنسان نفى نفسه من أجل عينيها من أجل آخر استباحهما، تلك العهود رقم واحد، لم تتبدل ولم تتنحى يوماً عن كونها الأولى..
لكنها المرة الأولى حين يهتز قلبي، لعله نسيماً وليس رياحاً، لعله طير وسماوات، لم يكن ذاك الشيء الذي يغريك بالنظر، ولا القادر على أعمال مخيلتك الخصبة، لقد كان شيئاً يشبه صوت العصافير على نافذة سجين حاكموه مدى الحياة، أو صوت رضيع لأم عاقر، أو نبع ماء في صحراء جافية، ويعيد قلبي كرته: قد لا نتذكر شيئاً بعد عبور النظرة، قد لا يكون نسيماً، وأنني نادم، نادم على هذه الرجفة، لا تأبه لي ولا تتبع النظرة، وينكر أنه على عجلٍ أربكته أول مرة.
ومضيت في طريقي أتبع الظلال، وأحدق في قاطني الشوارع، لمع ذاك الصوت في ذاكرتي الهشة، ولكنني عقدت اتفاقيات السلام مع قلبي بأنني لن أتذكر شيئاَ وها أنا أفعل، أنا أنكر أن الذاكرة اللعينة بكل ما فيها تشربته ونسيت أن تتشرب قصائدي، نسيت أن تحفظ رقم هويتي ولو لم يكن رقم هاتفي أرقاماً متتالية في الخوارزمية العددية لما حفظته أيضاً، جسدي المتعب من طول التجوال، كان لا يذكر شيئاً وكذاكرة عرضية زائلة كتبت ملاحظتي المسائية المعتادة: هاك يدي ولكن لا تعضني، سأتجاهل كل الطرق المؤدية إليك ولكن لا تتجاهل الدروب المؤدية إلي ولتبدد سحاب روحي، قلبي جبان وإن لم تأت فأنت أيضاً كذلك، هذا يخفف عليَّ قليلاً، لأكن صادقاً، أنا أتهمك بالنقص فلا أصغر في عين نفسي، قلبي يتثاءب، سأنيمه قبل أن يثور عليك.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.