وكان الحزب الشيوعي قد أعاد انتخاب الرئيس الصيني الذي يحكم البلاد منذ عام 2013، لولاية ثانية تمتد خمسة أعوام، وذلك خلال الاجتماع الأول للجنة المركزية الجديدة التي تم انتخابها أثناء انعقاد المؤتمر التاسع عشر للحزب في (أكتوبر/تشرين الأول) الماضي. كما شهد المؤتمر إجراء تعديلات على الدستور تضمنت إدراج أفكار شي جين بينغ، بشأن الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، وهو ما من شأنه أيضاً أن يعزز من سلطاته وإحكام قبضته على مؤسسات الحزب والدولة.
بخلاف الاعتقاد السائد، فإن كثيراً من الصينيين لا ينظرون بعين الرضى إلى فترة الزعيم الراحل ماو تسي تونغ، وهي فترة شهدت فيها البلاد الكثير من المآسي والكوارث الإنسانية |
بدت رغبة الرئيس الصيني، في توسيع نفوذه وتكريس صورته كزعيم أوحد للبلاد، منذ أن أطلق حملة لمكافحة الفساد قبل خمسة أعوام، طالت رموزاً وقيادات رفيعة في الدولة، وهي خطوة فسرها مراقبون بأنها تهدف في المقام الأول إلى الإطاحة بالمنافسين. وقد تجلى ذلك مع بداية الفترة الرئاسية الثانية، حيث شملت قائمة الأعضاء الجدد في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي والتي تمثل القيادة العليا في البلاد، خمسة أعضاء موالين لشي جين بينغ، ما يعني خلو اللجنة من أسماء يمكن أن تنافسه أو تخلفه في المستقبل.
وبالرغم من أن محللين صينيين يرون أن الناس لا ترغب في إنتاج ماو جديد بعد أن تحررت البلاد وحققت نهضة شاملة في كافة المجالات، فإن الإعلام الرسمي يبرر ذلك بحاجة الصين إلى زعيم قوي من طينة شي جين بينغ، يتابع ما تم إنجازه على مدار السنوات الماضية، خصوصاً بعد المكانة الكبيرة التي وصلت إليها البلاد والتحديات الجمة التي تواجهها داخلياً وخارجياً. وكان نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي الصينية، قد انتقدوا اقتراح اللجنة المركزية، ونددوا باعتزام الحزب إتاحة المجال أمام الرئيس الحالي للمكوث في الحكم لفترات طويلة، وكتب ناشط حقوقي على صفحته في موقع ويبو، المعادل الصيني لتويتر، يبدو أن الصين بدأت، بعد الوصول إلى القمة، في الانحدار والعودة إلى الوراء.. أرجو ألا نشهد ثورة ثقافية جديدة. كما نشر روبرت لام، وهو رسام صيني شهير يقيم في الولايات المتحدة، رسومات كرتونية تظهر وجه شي جين بينغ، وكأنه قناع لوجه الزعيم الراحل ماو تسي تونغ، في إشارة إلى أن الرئيس الحالي للبلاد يسير على خطى ماو.
بخلاف الاعتقاد السائد، فإن كثيراً من الصينيين لا ينظرون بعين الرضى إلى فترة الزعيم الراحل ماو تسي تونغ، وهي فترة شهدت فيها البلاد الكثير من المآسي والكوارث الإنسانية. بدءاً من إقحام الصين في أتون الحرب الأهلية الكورية في خمسينيات القرن الماضي، مروراً بما يعرف بالقفزة الكبرى إلى الأمام، أو الرغبة في التحول من مجتمع زراعي إلى مجتمع صناعي والتي أدت إلى وفاة الملايين من الفلاحين. وانتهاء بالثورة الثقافية التي أشعلها ماو عام 1966 للتخلص من منافسيه في الحزب بحجة اجتثاث الإقطاع والرجعية.
ويربط هؤلاء، الإنجازات الراهنة والتقدم الكبير الذي حققته الصين في مجال الصناعة والتنمية، بقدرة البلاد على التحرر من سلطة الزعيم الأوحد التي استمرت لنحو ثلاثة عقود. وما تبع ذلك من تحرير للتجارة والاقتصاد في ظل سياسة الإصلاح والانفتاح التي أطلقها الزعيم الراحل دينغ شياو بينغ، في سبيعنيات القرن الماضي.
ورغم أن الرئيس الحالي شي جين بينغ لا يألو جهداً في الدفع باتجاه تعزيز التنمية والانفتاح بصورة أكبر على العالم عبر إطلاق مبادرة الحزام والطريق، إلا أن سعيه نحو توسيع نفوذه وتكريس صورته كزعيم ملهم، من شأنه أن يثير مخاوف لدى شريحة كبيرة من الصينيين، خصوصاً أولئك الذين لايزال رماد المآسي التي خلفتها حقبة الزعيم الأوحد، متقدة في ذاكرتهم الوطنية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.