شعار قسم مدونات

نصرٌ للعالم الأصفر

blogs سناب شات

إن البداية قديمة حديثة ولكن حداثتها مع انتشار وسائل التكنولوجيا التي لا تعد ولا تحصى مع هول الجرائم التي نشاهدها جعل لها صدى صادم في بعض الأحيان ليس من هول المشهد بل من بلادة مشاعرنا التي أصبحت ضالة أكثر من الضلال نفسه، إن المشهد مستمر منذ سبع سنوات ولا يسدل الستار عنه إلاّ من أجل مشهد آخر أكثر دموية؟! في القدم كانت حماة، تلتها درعا وأكملت المهمة في حمص حتى وصل فرعون العصر لحلب والتي هُجر أهلها واستوطنها الأغراب كما حدث عندما نكبت فلسطين ولكن التهجير والتوطين هذه المرة كان على الهواء مباشرة، لم ينتهي المشهد أكملها إلى عفرين. 

إن سوريا لم تعد سوريا بل أصبحت عبارة عن كنفدراليات مجزأة لروسيا وإيران، كل ذلك كان لأن الشعب أراد أن ينفض عن نفسه غبار الوهن والاستسلام الذي استمر لأربعون عاماً باسم الممانعة قُتل من قتل سُحل من سحل وغيب عن المشهد مئات الآلاف كل ذلك من أجل طمس كلمة حرية التي خطت على الجدار من (حمزة الخطيب) حتى أعلنها أنصار هولاكو العصر"الأسد أو نحرق البلد"، لقد أوفوا بوعدهم، أما نحن طمسنا من أراد إخراجنا من الظلمات إلى النور.

 

ومنذ سبع سنوات عجاف والشعب السوري يعيش في دوامة الموت حتى وصل المشهد اليوم إلى الغوطة الشرقية والتي أصبح عالمها أحمر تحيطه هالة كبيرة من الغاز السام وكأنه العطر اليومي الذي يتوجب على الأطفال استنشاقه بديلاً عن رائحة الياسمين الشامي، لقد شاهدنا آلاف الضحايا التي ترتجف قبل الإعلان عن إعطائها رقماً للدخول في دوامة المجهول مرة أخرى ضحية لا يوجد أحد يودعها فحلقات التعارف والوداع انتهت منذ اليوم الأول للثورة ولكن جيء بهم جماعات للدفن فقط، لا يوجد وقت من أجل القيام بمراسم الوداع فكل ما يدب على أرض سوريا يودع بعضه بعضاً في كل لحظة.

نحن في المقدمة وسنبقى وسنقودكم للانتصار الذي انتظرته البشرية عقود طويلة، ولكن يجب أن تحذروا لأننا لن نسمح لأحد فيكم أن يدخل من بوابة الانتصار وفي يده هاتفه الذي يحوي ذلك "العالم الأصفر"

إن الحكاية عنوانها الاستمرارية طالما بقي طفل صغير يمتلك الأمل الأكيد بوجوب التغيير اللازم، في كل مرة كان الثوار على مشارف النصر تتدخل دولة من هنا أوهناك من أجل إجهاض ذلك الانتصار المنتظر وخاصة بعد خروج المعارضة المنمقة على أعتاب الفنادق الخمس نجوم والتي تدفع فاتورة المبيت فيها من دماء الأبرياء والجوعى على أرض الشام وكل ذلك يعطي من أهلك الحرث والنسل شرعية جديدة من أجل التأكيد على خطأ الشعب وأنه هو على صواب.

والمدهش في الموضوع أنه وعلى الرغم من هول مشهد العالم الأحمر القاني في أرجاء سوريا عامة والغوطة الشرقية خاصة التي أصبحت أطلالاً وركام تم إعلان وجوب نصرة (كايلي جينر) والتي غردت أن العالم الأصفر لم يعد على ما يرام إن "السناب شات" أصبح عالماً مملاً أصابها بالدوار، لأنها لا تستطيع معرفة أين اختفت قائمة أصدقائها فلم يعد بمقدورها متابعة تلك التي تستعرض منزلها الفخم ليل نهار، أو ذلك الذي يسوق لطعامه اللذيذ أو تلك المثقفة التي لا تمل تصوير الكتب والمقتطفات، أو تلك التي تشرح عن ماركة أحمر الشفاه خاصتها.

إن (جينر) أعلنتها حرب مدوية سواء بقصد أو بغير قصد فالعالم الأصفر على شفا حفرة من الانهيار فقد خسر ما يقارب المليار دولار، لقد انتصرت الأمة الغربية والشرقية بمسلميها ومسيحيها من أجل شقيقة (كردشيان) فهذه مليار دولار! إن نصرة سندس ذات الوجه الملائكي أصبح من الثانويات أو سيحذف من قائمة الهاشتاغات العالمية بعد سويعات وأكاد أجزم أنه حذف. مهما صرخت سندس ومهما استغاثت فلا من مستمع ولا من مجيب إلا لكل ما هو قليل الشأن، يجب أن أكون منصفة فيما أقول فالجميع لحق بركب (جينر) فنحن نتبع كل شيء فيه ترف وبهرجة إعلامية؛ كل ذلك لم يشفع للغوطة أو بلاد الشام والتي خسرت محبيها ومئات المليارات فهذا الوطن غير تلك العشيقة. 

إن النصر الافتراضي اليوم لذلك الأصفر والتي لا تستمر مدة تسجيل أي إنجاز فيه إلا لمدة عشر ثواني ويتم عرضه لمدة أربع وعشرون ساعة فقط، إننا نتعاطف معها بل ويصيبنا الأسى والضجر، أما قضية أمة بأكملها والتي أخبرنا عنها رسولنا الكريم في أحاديثه الشريفة يتم تناسيها بل والذهاب بها وبشعب وأمة بأكملها على أعتاب الأمم المتحدة.

تعود سندس لتخرج علينا أو ستخرج لتقول إن رائحة الياسمين الشامي الذي غلب عليه هذه الفترة رائحة الكلور السام أفضل بكثير من رائحة عطر المشاهير الذي يتم الترويج له ليل نهار باستخدام آلة النفاق والدجل لأن جل هذا الذي يتم عرضه هو عبارة عن مجاملات لا تخلوا من الفجور الإنساني الذي تحيطه الأنانية من كل حدب وصوب. إن رائحة أطفالنا يعود لأصل الكرامة الإنسانية المتجذرة بهذا الشعب العظيم، أما أنتم كل ما تقومون به في هذا العالم الأصفر يقوم على أساس التقليد الأعمى ومن أجل التسويق لعروض تجارية بائسة.

وتنهي سندس بمقطع على السناب حتى ترى كيف سيتضامن معها أبناء الدين والعروبة والجلدة، فتبدأ قائلة: إننا كشعب سوري خسرنا المليارات والأفراد والبيوت ولكننا لن نخسر الوطن، حافظوا على نسب المشاهدة حتى لو كانت على حساب دمائنا حافظوا على نفاقكم الاجتماعي حافظوا على إظهار صفار قلوبكم للقاصي والداني، أما نحن فقد عاهدنا الله أننا سنبقى الأوفياء لدماء فلذات قلوبنا والأوفياء لعنوان الكرامة المتبقية في هذه الأمة.

إن النصر الوهمي اليوم للأصفر ولمدة لا تتجاوز العشر ثواني ونحن سنأخذ بأيديكم من أدراج الذاكرة العشوائية إلى أدراج الحرية الأبدية نعم نحن في المقدمة وسنبقى وسنقودكم للانتصار الذي انتظرته البشرية عقود طويلة، ولكن يجب أن تحذروا لأننا لن نسمح لأحد فيكم أن يدخل من بوابة الانتصار وفي يده هاتفه الذي يحوي ذلك "العالم الأصفر" لن تنعموا بإظهار أي مظهر من مظاهر الفرح المجاني بكل هذه السهولة فمن يريد الاحتفال الحق عليه أن يقذف بهاتفه ويأتي ليحتفل بهذا الفتح، وفي هذا الانتصار ستلغى كافة مظاهر الاحتفال والتصوير من قبل أصحاب السمو اللذين ستحط طائراتهم من أجل أخذ الصور ولا يلبثون إلاّ أن يغادروا، حتى يقومون بالترويج لإنسانيتهم المفتعلة لأصحاب الأموال والعقار حتى يأخذوا ثمن تلك اللقطة وتعود القصة أدراجها الأولى نقل فوز أحدهم لأجمل صورة مؤثرة!! وترك شعب يقف على أطلال وطنه ينتظر "جينر" جديدة حتى تُقر بوجوب نصر تلك المكلومة.. 

هذه هي حكاية وطني أنقلها لكم أنا سندس من داخل أحد البيوت المهدمة لعلي أجد صدى وإجابة لجوعنا ومصابنا الجلل، ويجب أن أنوه أنه قد تصلكم هذه الرسالة والنداء الذي قد يكون الأخير وأنا إما سأكون عند الله أو على هذه الأرض أصارع الموت جوعاً أو قد ينجح أحدهم وسيقوم بإخراجي لدولة مجاورة حتى ينقلوا معاناتي أنا وشعبي على شكل سبق صحفي من جديد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.