شعار قسم مدونات

أبو حفص المغربي.. قفاز "تنويري" في يد "سلفية"

مدونات - أبو حفص المغربي

التاريخ السلفي للمغرب
بدأت البوادر الأولى لنشأة السلفية بالمغرب بظهور الدولة المرابطية التي حكمت البلاد ما بين سنتي 1056 و1147 ميلادية، إذ كان المرابطون سلفيو العقيدة ومالكيو المذهب الفقهي، حاربوا خلال فترة حكمهم الصوفية القبورية وبعض البدع التي أنتجتها سواء على مستوى العقائد أو العبادات، وبلغت هذه الحرب أوجها خلال فترة حكم الحاكم المرابطي الشهير يوسف بن تاشفين، ليخفت حضور السلفية بعد ذلك عند سيطرة الدولة الموحدية على الحكم، إذ أقرت العقيدة الأشعرية عقيدة رسمية مجهزة بذلك على المشروعية الدينية للمرابطين. لكن السلفية بعد ذلك عادت كتصور عقدي لبلاد المغرب الأقصى مع وصول العلويين إلى الحكم، فكانت العودة على يد كل من السلطان محمد بن عبد الله العلوي (1757 / 1789م) وابنه السلطان المولى سليمان بن محمد (1792 / 1822م) واللذان عملا بشكل كبير على إعادة قوة السلفية ورونقها بعودة الخطباء والعلماء إلى مهاجمة البدع الصوفية خصوصا في الأعياد والمناسبات والاحتفالات.

 

واصلت السلفية حضورها القوي في المغرب بعد عقود، إذ أعلنت عن نفسها كمشروع جامع لرجال المقاومة الوطنية لطرد المستعمر الفرنسي والاسباني من البلاد، خلال هذه الفترة على شقين رئيسيين، أولهما محاربة البدع الصوفية ، الهدف الأساسي للسلفية منذ بدء تشكل معالمها، أما الشق الثاني فكان مقاومة الاحتلال الفرنسي عسكريا وفكريا والوقوف في وجه مشروع تجريف الهوية الدينية والثقافية للمغاربة، وكان وراء هذا المشروع الوطني رموز مؤثرين في تاريخ المغرب أبرزهم محمد المختار السوري وبوشعيب الدكالي ومحمد بلعربي العلاوي وعلال الفاسي، مؤسس حزب الاستقلال المغربي. لكن هذا الحضور المتألق للسلفية بالمغرب تعرض لضربة قاصمة مع بداية الألفية الجديدة وتحديدا في أحداث 16 ماي 2003، عندما تعرضت مدينة الدار البيضاء، لهجمات داخلية، راح ضحيتها 45 قتيلا، لتوجه أصابع الاتهام إلى جميع التيارات السلفية المختلفة على اعتبار أنها منظرة للإرهاب من خلال تطويرها لمفهوم "السلفية الجهادية".

 

البيضاء 2003.. بطاقة تعريف "أبي حفص"
بجانب التكوين العلمي الأكاديمي تلقى "أبو حفص" جرعات تكوينية إسلامية بمرافقته لوالده في العديد من سفرياته لزيارة أهم رموز الحركة الإسلامية، إذ التقى بالشيخ عبد الحميد كشك أكثر من مرة

خلال هذا السياق المهم (تفجيرات 16 ماي)، ظهرت مجموعة جديدة من القيادات السلفية المتهمة بالتنظير للتطرف والكراهية والإرهاب والذي كان وراء أحداث البيضاء، خصوصا لماضي هذا التيار مع ما يسمى بـ "الجهاد الأفغاني"، وكان على رأسها حسن الكتاني وعمر الحدوشي ومحمد الفزازي وعبد الكريم الشاذلي، ثم محمد عبد الوهاب رفيقي المعروف إعلاميا "بأبي حفص المغربي" أكثر هذا الخماسي إثارة للجدل بعد تغير مواقفه وآرائه بشكل مثير في الفترة الأخيرة.

 

ولد محمد عبد الوهاب رفيقي بمدينة الدار البيضاء سنة 1974 في أسرة متدينة لها علاقات كبيرة بالتيارات الدينية داخل وخارج المغرب، التحق بعدها نيل شهادة الباكالوريا بالمملكة العربية السعودية وتحديدا بالمدينة المنورة إذ درس على يد كبار مشايخ البلاد ورواد التيار السلفي بالعالم الإسلامي كالشيخ ابن الباز وابن عثيمين ومحمد مختار الشنقيطي ليعود إلى المغرب بعد ذلك ويتحصل على شهادة الماجستير بكلية الآداب بفاس في فقه الأموال عند المالكية بجانب الإجازة في علم القانون الدولي بفاس دائما.
   
وبجانب هذا التكوين العلمي الأكاديمي، تلقى "أبو حفص" جرعات تكوينية إسلامية بمرافقته لوالده في العديد من سفرياته لزيارة أهم رموز الحركة الإسلامية، إذ التقى بالشيخ عبد الحميد كشك أكثر من مرة وقيادات جماعة الإخوان المسلمين، أكبر تنظيم إسلامي في العالم، ويصف أبو حفص هذه المرحلة قائلا :"بجانب تكويني السلفي وطلب العلم، ظلت المدرسة الإخوانية حاضرة في تكويني، إذ قرأت مؤلفات سيد قطب وحسن البنا وأنا في سن 13 سنة، كما أنني ألقيت أول خطبة وأنا في سن 14 سنة كما تعرفت عن قرب على مشروع الصحوة الإسلامية الذي انطلق خلال سبعينيات القرن الماضي أيضا.

   

عبد الوهاب رفيقي
عبد الوهاب رفيقي "أبوحفص" (مواقع التواصل)

  

البندقية "المغربية" و"الجهاد الأفغاني"

حطت العديد من التيارات السلفية العربية الرحال بأفغانستان خلال الحرب الأفغانية ( 1979 / 1989) للجهاد ضد السوفييت، بدعم دولي كبير ترأسته الولايات المتحدة الأمريكية وسهرت عليه عدد من الدول العربية على خصوصا السعودية وبعض دول الخليج بجانب مصر. ولم يخرج المغرب عن هذه القاعدة، إذ شارك سلفيون المغاربة في هذه "الحرب المقدسة" التي كانت ترغب في طرف الاتحاد السوفيتي من أفغانستان على أساس أنه بلد مسلم، وكان من بين المشاركين في "الجهاد الأفغاني" الذين سموا بعد ذلك "بالأفغان العرب" والد أبو حفص.

 

ويحكي أبو حفص عن هذه المرحلة إذ يقول "سافرت لزيارة والدي بأفغانستان وعمري 15 سنة، وكان الجهاد في أفغانستان فرض عين حسب ما أعلنه العديد من الدعاة والمشايخ بل ورواد الحركة الإسلامية الممارسين للسياسة في المغرب، وخصوصا أن هذا الجهاد كان بدعم رسمي إذ كان الجهاديون المغاربة يرسلون من جهة رسمية هي الجمعية المغربية للدفاع عن الجهاد الأفغاني التي أسسها الدكتور عبد الكريم الخطيب.

 

واعتبر رفيقي أن نظام الملك الحسن الثاني كان وراء إرسال المجاهدين المغاربة إلى أفغانستان بل وتسهيل رحلتهم إذ يصرح :" كنت أبلغ من العمر 15 سنة وذهبت إلى السفارة الباكستانية وأخذت تأشيرة في أقل من ساعة، وركبت الطائرة من المطار متوجها إلى أفغانستان، ولم يسألني أحد عن السبب وراء هذا السفر، وهذا يؤكد ما قلناه مرارا وتكرارا بأن هذا الجهاد كان مصطنعا".

 

مرحلة السجن والاعتقال
يقول أبو حفص أنه خرج من السجن لكي ينزع جلباب الواعظ أو الداعية ويكرس حياته لمحاربة التطرف والإرهاب وتنقية المغرب من الفكر السلفي

بعد أحداث مدينة الدار البيضاء ذكر اسم "أبي حفص" كأحد المنظرين لهذه الهجمات الدامية، على اعتبار دروسه التي كان يلقيها بمدينة فاس وخصوصا خطبته التي أشاد من خلالها بهجمات 11 (سبتمبر/أيلول) بالولايات المتحدة الأمريكية، لكن اعتقال رفيقي لم يكن بعد الأحداث بل كان قبل الأحداث بشهرين بعد خطبة حول مجزرة جنين تحت عنوان "عذرا فلسطين"، لكنه رغم ذلك حكم بمدة 25 سنة بتهمة التحريض على الإرهاب.

 

بيد أن عبد الوهاب رفيقي لم يقض من مدته إلا 9 سنوات إذ خرج بعفو ملكي سنة 2012 مستفيدا بذلك من حراك 20 فبراير 2011 الذي كان نتاجا لرياح الربيع العربي بكل من تونس ومصر وليبيا وسورية، لكن أبو حفص اعتبر أن العفو تأكيد على براءته من جميع التهم التي وجهت له قبل ذلك لجهوده الكبيرة في محاربة التكفير والعنف والإرهاب حتى قبل سنة 2003.

  

"أبو حفص" بعد النيولوك

يقول الشيخ السلفي المغربي "السابق" إن فترة السجن شكلت بالنسبة له خلوة مهمة أعاد من خلالها النظر في أفكاره التي تشكلت خلال فترة الطفولة، إذ يفيد في لقاء إذاعي له :" في السجن تمكنت من الانفتاح على العديد من فنون العلم والقراءة التي لم أكن أهتم بها، قرأت الأدب الروسي والغربي واطلعت على الشعر وقرأت للذين خالفتهم بالأمس من التيارات المختلفة، حينها أدركت أن نظرتي للدين والحياة لم تكن مجردة لله تعالى".

   undefined

 

ويتابع أبو حفص أنه خرج من السجن لكي ينزع جلباب الواعظ أو الداعية ويكرس حياته لمحاربة التطرف والإرهاب وتنقية المغرب من الفكر السلفي الذي يعتبره المتحدث نفسه خصما مباشرا لنمط التدين المغربي أو ما يسمى بالخصوصية المغربية التي يجتمع فيها الديني بالاجتماعي والثقافي ويعطي توليفة تتناسب مع هذا الشعب القاطن في هذا البلد، رافضا في نفس الوقت أن يتم استغلال المنابر في الحديث عن السياسة ومشاكلها وتخصيصها لكل ما هو روحي وقيمي.

 

ويجد السلفي المغربي السابق أن السلفية كمفهوم هو مرادف للتطرف إذ يقول في إحدى مقالاته :" أعتقد أن السلفية كنمط تفكير منتج لهوية بديلة، هوية تعرف الأنا بكل التضخم الممكن، في مقابل الإلغاء التام للآخر: الآخر الذي يقف بالضرورة حجر عثرة في سبيل المشروع الفاضل؛ الآخر الذي يعتبر جزأ من الواقع المتردي و"غير الطاهر" تؤدي بالضرورة إلى إخراج منتجات متطرفة وإرهابية بالنهاية".

 

وإمعانا في تحدي زملاء الأمس، خرج أبو حفص بتصريحات مثيرة مست أحيانا ثوابت الشريعة الإسلامية كتشكيكه الأخير في ما أسماه "أسطورة عذاب القبر" معتبرا أن هذه خرافة لا أساس لها في الإسلام، بالإضافة إلى مطالبته بفتح نقاش حول طريقة تقسيم الإرث في الشريعة الإسلامية مشككا في بعض الأحاديث النبوية في هذا الباب وفي أبواب أخرى كتعليقه على فوز أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية بولاية رابعة لقيادة ألمانيا، بالتشكيك في الحديث الشريف: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة".

 

وفي الأخير وبجانب كتابه مقالات لمجموعة من المواقع والمجلات "التنويرية"، أنشأ أبو حفص مركز "الميزان" لنشر التنوير ومحاربة التطرف والإرهاب في المغرب والعالم العربي ليكون بذلك نموذجا آخر من الرموز السلفية التي تعرضت لزعزعة في مواقفها العقدية والسياسية إثر مواجهتها "لفتن آخر الزمان".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.