أيام قليلة فاصلة على الحدث الأضخم والنوعي في تاريخ القضية والشعب الفلسطيني، هذا الشعب الذي أبى طوال صراعه مع المحتل أن يفوت أي من المناسبات الوطنية أو الثورية إلا وينتفض فيها بكل قوته غير مكترث بفارق القوى والتعددية السياسية ولا حتى الانقسام الذي كان له كبير الأثر في نفوس الكثيرين وروحهم المعنوية وفي ضوء هذا الحدث سنحاول التعرف أكثر على مفهوم هذا اليوم وتأثيره على كل من الإسرائيليين والفلسطينيين وماذا يترتب عليه من أثار قد تتطور لمواجهة عسكرية.
إنه يوم الأرض الذي نظمت له الفصائل والقوى الفلسطينية منذ عدة أسابيع ليكون يوم حاسم وفعال في دحر البطش الإسرائيلي ومخططاته من خلال إعلان هذا اليوم ويوم النكبة، هو يوم غضب جماهيري يضم بموجبه عشرات الألاف من المشاركين يتخلله عدة فقرات ورسائل تم التنظيم لها مسبقاً بمشاركة العديد من الرموز الوطنية والسياسية، حيث سيتم توجيه هذه الجماهير من كافة مناطق قطاع غزة ونقلهم إلى المناطق الحدودية الفاصلة مع الداخل المحتل.
كما وقد قامت الفصائل الفلسطينية بتمشيط وتجريف المنطقة الحدودية لتصبح جاهزة لاستقبال أكبر عدد ممكن بالإضافة إلى نصب الخيام والتربع فيها كدلالة وطنية تتمثل بحق العودة والرجوع إلى داخلنا المحتل، ومن ضمن الأهداف الأساسية لمسيرة العودة الكبرى أيضاً وضع حد للمشروع الصهيوني والتصدي لعبث السياسة الأمريكية وقراراتها الرعناء التي من الممكن أن تؤدي إلى المزيد من التوترات الداخلية على كافة الأصعدة.
والذي لا بد من ذكره هنا أن هناك عدة عوامل تعزز وتجعل من هذا اليوم فيصل وناجح في تاريخ القضية الفلسطينية:
1- استغلال يوم ذكرى وطنية تعني الكثير للشعب الفلسطيني.
2- التعبئة الجماهيرية الناجحة التي تم الترويج لها مسبقاً وخلال فترة زمنية دقيقة ونافذة.
3- نوعية الحدث الأولى من نوعها التي تتخذ هذه الشاكلة والمحتوى والتي ستستقطب بطبيعة الحال أعداد مضاعفة من الجماهير.
ولعلَّ ردود الأفعال الإسرائيلية التي تابعناها منذ الإعلان عن هذه المسيرة وحتى اليوم هي لأكبر مثال على التحدي الكبير الذي يواجه الحكومة الإسرائيلية في إطار تفاعلها مع هذه المسيرة والقلق من مغبة خروج هذه الجماهير الغاضبة عن السياق السلمي لها لتتحول إلى كتلة غضب وقنبلة تنفجر في وجوههم، خصوصاً أن قطاع غزة مُثقل وحبيس سياسياً واقتصاديا والذي قد يتولد عن هذه الضغوطات في المفهوم الإسرائيلي مسيرات عدوانية أكثر منها سلمية لتفريغ هذه الشحنات.
فيما تستعد الحكومة الإسرائيلية للتصدي لهذه المسيرة بكل السبل الممكنة، تتجه التحليلات حيال نوعية وآلية تنفيذ هذه الروادع التي سيتخذها الجيش الإسرائيلي لمنع وتفريق هذه المسيرة والتعامل معها، خصوصاً بعد قيامه بإلقاء مناشير ورقية على المحافظات الشرقية لمدينة غزة خلال اليومين الماضيين يحذرُ فيها المواطنين من الاقتراب والتواجد على بعد 300 متر من داخل حدود قطاع غزة بحيث تبقى هذه المسافة هي الفاصلة بين المتظاهرين وبينه وإلا فإنه سيقوم باتخاذ كافة الإجراءات العقابية لمنع أحد من الاقتراب والتي تفهم بأنها تصريح رسمي من قيادة الجيش إلى الجنود بأن أطلقوا النيران على كل من يتقدم ويخترق الحد المسموح به، بالإضافة إلى قيامه بتعزيز أعداد جنوده وتحصين مناطق تمركزهم ونشر القناصة في أماكن متفرقة والإيعاز إلى الفرق العسكرية الخاصة بالتواجد من خلال نشر مدرعات ثقيلة ودبابات مع تغطية جوية كاملة لرصد مجريات هذا اليوم المصيري الذي من الممكن أن يكون ساخن جداً على الجبهتين الإسرائيلية والفلسطينية ويأخذ طابع عسكري أكثر منه سياسي على أرض الميدان.
في الجهة المقابلة من الحدث ومع تعامل الاحتلال مع هذا اليوم بجهوزية كاملة تحاكي حالة حرب، وجدنا تعتيماً كاملاً من قِبل كتائب القسام وحرصاً بالغاً حتى بانتقاء تصريحاتها في مباركة هذه الهبة الجماهيرية طوال فترة الإعداد والتنظيم لهذه المسيرة على غير عادتها وكأنها تخفي خلف صمتها شيئاً عظيماً ولكن لا أحد يعلمه، وبالفعل ومع اقتراب يوم الأرض وبدء المسيرة قرر القسام الخروج عن صمته ها هو أخيراً ليفاجئنا بإجراء مناورة عسكرية ضخمة أعلن عنها قبل يوم من إجرائها في شوارع وأروقة قطاع غزة تحمل اسم مناورة الصمود والتحدي تخللها عرض عسكري منظم وانتشار للوحدات العسكرية وسماع انفجارات محلية وإطلاق صواريخ والمفاجأة المدوية التي كانت بارقة.
وعين هذا الحدث هو وجود مدرعة عسكرية ثقيلة تشبه مدرعات الجيش الإسرائيلي وهي محلية الصنع قامت أيدي القسام بصناعتها وتطويرها والسير بها أمام الحشود التي تجمهرت لرؤية هذا الإنجاز والتطور النوعي في صفوف كتائب القسام الذي لطالما أبهرنا بإنجازاته وقدرته على مواكبة ومجاراة الاحتلال بالتطوير والتجديد، والذي يؤكد على براغماتية الجناح العسكري لحركة حماس وعَمْلانِيْته بالعمل على الجانب العملي المتمثل بالتطوير والتجهيز أكثر من الجانب النظري المتمثل بالتصريحات السياسية، وبعيداً كل البعد عن النفعية التتابعية للبراغماتية المتمثلة بمبدأ المصلحة أولاً وأخيراً.
بعد إنهاء الجيش الإسرائيلي مناورته العسكرية الضخمة التي قام بإجرائها بمشاركة القوات الأمريكية والتي كانت بهدف رفع المستوى القتالي للفرق العسكرية التابعة للجيش الشهر الماضي، ومقارنتها بالمناورة الأخيرة لكتائب القسام لدعم مسيرة العودة الكبرى، نستنتجُ بأن الطرفين الآن باتا جاهزين لجولة جديدة ولكن محكومة بأرض الميدان، فهل من الممكن أن تستغل كتائب القسام مسيرة العودة لتوجيه ضربة عسكرية قاسمة وخاطفة للاحتلال الإسرائيلي؟ أم ستتعامل بتروي وتنتظر ارتكاب العدو حماقة وترد بموجبها عسكرياً عليه!، لربما نشهد في الأيام القادمة احتكاك مباشر بين كتائب القسام والاحتلال الإسرائيلي يكون نِتَاج بطش الاحتلال واستخدامه للقوة العسكرية المفرطة في التصدي للمدنيين العزّل الذين قد يقوموا بمحاولة التسلل والدخول للمستوطنات المحاذية لقطاع غزة وأيضاً قد نشهد إصابات كثيرة وارتقاء لعدد من الشهداء لتكون هذه الحادثة بمثابة شرارة وضوء أخضر لجولة عسكرية لا مفرَّ منها أو اصطدام عسكري مؤقت يكون دفاعي أكثر منه هجومي للطرفين في أقل تقدير.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.