حياتُنا عبارة عن خليطٍ أو مزيجٍ من الفرح، اللعب، المُزاح، الأسى والحزن، يقضيها الإنسان في تقلّبات مع منْ يُحبّ، ومع منْ يكرهُ أيضاً، فلا أظنُّ أنّ اختياراتك لهذه اللحظات مع منْ تُحبّ فقط! فهذه (الدنيا) ستفرض عليك اختيارات ليس لكَ فيها قرار، وبلا شكّ سترى كثيراً من فصولِ حياتك تتجلّى في أمنيات فقط! وهذا طبيعي من جهة القدر، وغير طبيعي ومُؤلم من جهتك! ستعاشر كلّ من حولك حتّى تشعر أنّك مركز هذا الكون بالنسبة لهم، نعم يا فتى، ويا فتاة! سيأتيك هذا الشعور من حيثُ لا تدري، ولمّا يأتي الموت ويختطفك من بينهم! ستبكي دماً -في الما وراء- حينَ تسمع أنّ هذا المركز والذي كانَ لا يُستغنى عنه قدْ صار يُترجم إلى عبارة (الحي أبقى من الميت).
قيمة الإنسان هي ما يضيفه إلى الحياة بين ميلاده وموته، فإنْ كانتْ حياتك روتينيّة رتيبة لا تحتوي على ما يُجمّلها من إبداعاتٍ تارةً، ومن جُنون تارةً أخرى، فهذا يا صاحبي هو صكُّ النسيان الذي تكلّمتُ عنه! |
أقول قولي هذا، ولا أقصدُ فيه ذمّاً لكائنٍ من كان، فحتّى إن ادّعيتَ عدمَ نسيانك، سيأتي عليكَ يومُ تنسى فيه كلَّ شيء، وتعيش حياةً مختلفة تماماً عمّا عشته مع عزيزٍ فقدته فيما مضى! ولهذا يقول الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن، أنّ الإنسان مشتقّ من النسيان وليس من الأُنس، وإنْ توقفنا عن القول في النسيان بعد الموت، وأشرنا للنسيان في حياتك وعلى مرآك، فأختُك التي أحببتها حبّاً جمّاً، ستتركك لتعيش مع زوجها وتُنجب أطفالاً ليصبحوا حياتها بعيداً عنك، وأخوك ستراه يخوض نفسَ السبيل! وصديقكُ العزيز أيضاً، إنّ كلَّ هذا مرفوض عندَ الجميع، لأنّه يحمل في ثناياه منسوباً عاليّاً من المُرّ والألم اللذان لا يُطاقان عند لحظة معيّنة، ولكنْ لا تقلق، فحتّى هذا ستنساه يا صاحبي عندَ نقطة معيّنة من تساراعات حياتك.
أُحاول في هذا المقال أنْ أُعطي جمالاً لهذه الفكرة المُرعبة، ولكنْ ما باليدّ حيلة! فالكون في حركة دائمة دون توقف، وهذا في معناها الفلسفي والفيزيائي أيضاً، فجميع ما ذكرت هو جزء من هذه الحركة التي تُخضع الأشياء لسيطرتها لحينِ فنائها! ولهذا يُقال أنّ الحياة لنْ تقف عند أحد! فكأنّ عامّة النّاس قدْ صوروا عمقْ هذه الحركة والتي شُرحت في كتب ومجلّدات تتعب العقل، في مثل بسيط ووافي ودون فلسفة لا تُسمن ولا تُغني من جوع.

يقول الدكتور مصطفى محمود رحمه الله: قيمة الإنسان هي ما يضيفه إلى الحياة بين ميلاده وموته، فإنْ كانتْ حياتك روتينيّة رتيبة لا تحتوي على ما يُجمّلها من إبداعاتٍ تارةً، ومن جُنون تارةً أخرى، فهذا يا صاحبي هو صكُّ النسيان الذي تكلّمتُ عنه! وإنْ كانت مليئة بما أسلفتْ من ضخّ لهذا الجنون والإبداع وعلى طول الخطّ، سترى لأثرِك مكاناً في هذا العالم، وإيّاك ثمَّ إيّاك أنْ تكون من هؤلاء القوم الذين يتذمّرون من نقصِ ردود الفعل اتجاههم، فلنْ تعلم كيف سيصل أثرك؟ ولا تقلق! فسيجدُ طريقه إلى قلبِ وعقلِ أحدهم وهذا يكفي، وكما قال الصحابيّ الجليل عبدالله بن مسعود: أنتَ الجماعة ولو كنتَ وحدك.
اجعلْ من عنوان المقال دافعاً ومُحفزّاً، واخرجْ من دائرةِ النسيان وتحدّاها! وجهّزْ نفسك بكل ما تملك من أسلحة كي لا تُنسى! واعلم تماماً أنَّ كلَّ هذا سيكون على شكل أثر ينفعُ النّاس، ولا تنسى أنْ تقصدَ وجه الله في هذا، فما نفعُ الأثر إنْ لم يكنْ لله! افعل أقلَّ القليل في حيّك أو مُجتمعك، انشرْ خيراً وتعوّد على ذلك، وإنْ لم تكنْ مُبدعاً؛ ابدعْ بخيرك، ولا تجعلْ للكسلِ حيزاً في فضائك! فهو أعتى عدو لك في هذا الطريق، والذي سيقوم بدوره في إسقاطك إنْ استلسمتْ له يوماً ما! وقلْ لدرويش كما قال لنا: أنتَ كنتْ ولا زلتَ يا درويش! وسأكون أنا أيضاً! وسأصير يوماً ما أريد، وسأصير يوماً فكرةً.