والجليّ أنّ العرب انقسموا كعادتهم إلى فريقين:
الدعوة إلى المصادقة على قانون المساواة في الميراث في زمننا الحاضر يفرض علينا النظر كذلك في مدى مشروعيّة تحمّل الرّجل من الناحيّة القانونيّة سواء كان زوجا أو أبا واجب الإنفاق والإعالة |
ويبدو أنّ عددا هاما من الوجوه الإعلاميّة المعروفة انتهزوا هذه الفرصة، واستفادوا من حجّة قياس مفادها أنّ اللّه حكم بأن للذكر مثل حظ الانثيين في نفس سورة النّساء الّتي أباح فيها ملك اليمين ليتساءلوا عن مدى وجاهة رفض قانون المساواة في الإرث في زمن يستحيل فيه تفعيل الآيات الدّاعية لملك اليمين والرّق، ثمّ خلصوا إلى أطروحة بيّنوا من خلالها للرأي العام هذا التناقض الظّاهر والنّفاق البيّن في فتاوى الفقهاء. ونحن لا يزعجنا قولهم، وإنّما أبعاد القول المصوّرة للدّين الإسلاميّ على أنّه يشرّع للاستعباد، فهم لا يقصدون التّساؤل بقدر ما يرمون إلى الطّعن تلميحا أو تصريحا في النّص القرآنيّ. ولا ندري لم يخفون عن دراية أو جهل أنّ ظاهرة الرّق وُجدت قبل الإسلام، وقد استحال استئصالها دفعة واحدة باعتبار أنّ العرب في الجاهليّة لا يورثون النّساء ولا الأطفال، أو لم يُعزى دائما إلى الإسلام ذنب وجود ظاهرة متجذرّة لم تكن حكرا على العرب وحدهم؟ ولم يتناسون أنّ الإسلام هو أنّه أوّل من بادر باجتثاث الرّق بشكل تدريجيّ قبل 1500 سنة تقريبا!!
وأمّا الفريق الثاني: فهو معارض لمبدأ المساواة في الإرث، ويستند لدعم موقفه على فتاوى الأزهر المُصدر بيانا حديثا يوضّح فيه أنّ الدّعوة للمساواة الكاملة مخالفة لنص قرأنيّ قطعيّ الثبوت والدّلالة. وبغضّ النظر عن تاريخ الأزهر الحافل مع سادة البلاط باعتباره صوت السّلطة الوفيّ والمعوّل عليه للرفع من شأن الحكام وإخماد صوت المتمردين بدءا من تصوير ملوك مصر على أنّهم خلفاء للمسلمين، وإصدار فتاوى تَحرم المرأة من حقّ التّرشّح والانتخاب سنة 1952، فانتهاء بحلّ دمّ أبناء بلدهم المعتصمين في رابعة والنّهضة سنة 2013، يجعلنا نرتاب في مدى مصداقيّة فتاويه، فإنّ ما يثير استغرابنا حقا هو ما أحدثه خطاب "السّبسي" من ضجّة كبرى شملت العالم العربيّ بأسره، وكأنّ الشّعب التّونسيّ كان يعيش قبل هذا اليوم المشهود، وهو لا يعلم، في ظلّ دولة تأتمر بأوامر الشّريعة الإسلاميّة وتنهى بنواهيها، فنحن لا نفهم هذه الغيرة المفاجئة على الدّين، وتونس بلد دأب منذ الاستقلال على عدم الاستناد بشكل قطعيّ إلى النّصوص القرآنيّة من ذلك منع تعدّد الزوجات، والسّماح بالتبني، بل إنّ قانون توزيع المواريث على الورثة في مجلة الأحوال الشّخصيّة يختلف اختلافا بيّنا عمّا ورد في النّصوص القرآنيّة.

وقبل أن نختم نذكر بأنّ الدعوة إلى المصادقة على قانون المساواة في الميراث بين الجنسين، والإقرار بحق المرأة في المساواة الكاملة في زمننا الحاضر يفرض علينا النظر كذلك في مدى مشروعيّة تحمّل الرّجل من الناحيّة القانونيّة سواء كان زوجا أو أبا واجب الإنفاق والإعالة، من ذلك مثلا دفع المهر عند الزّواج، حتى وإن كان رمزيا، والمؤخر أو النّفقة عند حدوث الطّلاق لإعالة الزوجة والأبناء، بل إنّه يجعلنا نتساءل إن كنّا نناقش بواكير دعوة غير مضبوطة بالشكل الكافي أو غير مكتملة على الأقل، أو أنّنا وقعنا في فخ مساواة مشروطة يشكلّها البعض كما يحلو لهم لخدمة مآربهم الشّخصيّة ومخططاتهم الانتخابيّة، ثمّ يتملصون منها في أوّل مواجهة حقيقيّة.