مع النهضة التي تشهدها تركيا في السنوات الأخيرة تزايد الاهتمام والضوء حول اللغة التركية، وكان نزوح ملايين السوريين إلى تركيا سبباً لاهتمام السوريين وضرورة لتعلم هذه اللغة ومتابعتها.. وتغيب عن الكثيرين حتى ممن أتقنها تاريخ هذه اللغة وموقعها في شجرة عائلات اللغات العالمية.
يعد مصطلح العائلة اللغوية من المصطلحات المعروفة في علم اللغة، ويشير هذا المفهوم لتلك اللغات المرتبطة عضوياً ببعضها والتي تعود إلى أصل لغوي مشترك أو ربما واحد ثم افترقت وتطورت منفردة بدوافع زمانية ومكانية ولازالت تشترك بالكثير من التشابه في الأشكال التصريفية والصوتية والنحوية.
1 -عائلة اللغات الهندو أوروبية: وتعتبر العائلة الأكبر وتضم أكثر اللغات الحية من حيث عدد الناطقين بها وتنتمي إلى هذه العائلة: اللغة الهندية والفارسية والأرمنية والكردية واليونانية، إضافة إلى اللاتينية التي تفرع عنها اللغات الرومانسية / الفرنسية والإيطالية والبرتغالية والاسبانية، وتضم أيضاً اللغات السلافية التي تشمل اللغة الروسية والأوكرانية والبلغارية والبولندية والصربية والتشيكية والسلوفاكية، كما تضم اللغة الجرمانية التي تطور ونشأ عنها اللغات الألمانية والإنكليزية والدنماركية والسويدية والنرويجية والايسلندية والهولندية.
مع بزوغ فجر الإمبراطورية العثمانية كانت اللغة التركية العثمانية هي اللغة الرسمية السائدة في الدولة لأكثر من ستة قرون وهي مزيج من اللغات الثلاث: التركية والعربية والفارسية، ومعتمدة على الحروف العربية في كتابتها |
2-عائلة اللغات الصينية: تضم أكثر من 400 لغة منطوقة في شرق آسيا وجنوب شرقها وتأتي في المرتبة الثانية بعد اللغات الهندوأوربية من حيث عدد الناطقين بها.
3-عائلة اللغات الأندونيسية: وتضم مئات اللغات المحلية في إندونيسيا.
4-عائلة اللغات السامية والحامية: وتنتمي لها اللغة العربية واللغة الأمهرية في الحبشة واللغة الأمازيغية واللغة العبرية والكثير من لغات الحضارات السالفة كاللغات العمورية والأوغاريتية والآرامية والكنعانية والسريانية والبابلية.
5- عائلة اللغات الأورال – الألطية: وتُنسب إلى جبل ألطاي في آسيا الوسطى، وكذلك اصطلح عليها تسميةٌ أوسع وهي تسمية اللغات الطورانية لتشمل أغلب لغات وسط آسيا حيث تعود التسمية إلى الكلمة الفارسية (توران) والتي تعني بلاد ما وراء النهر وكانت تدل هذه الكلمة (الطورانيين) عند المسلمين على الأتراك، وأهم لغات هذه العائلة (اللغة التركية والفنلندية والمجرية والمنغولية كما اعتبر معظم الباحثين اللغة اليابانية والكورية أحد أفراد هذه العائلة) .
وتُعتبر لغات هذه العائلة لغات لاصقة أي أنها تعتمد على اللواحق بشكل كامل، وتهتم جداً بتناغم الحروف الصوتية، ولا توجد فيها أداة تعريف أو جنس للكلمات / مذكر ومؤنث /، كما أن حروف الجر لا تسبق الاسم بل تليه والصفة تأتي قبل الموصوف وكذلك المضاف إليه يأتي قبل المضاف. وتعتمد في تركيبها النحوي على قدوم الفاعل في بداية الجملة والفعل في نهاية الجملة.
لا يُعرف على وجه التحديد والدقة تاريخ بداية اللغة التركية، وأغلب الباحثين يحددون عمرها بما يقارب 5 آلاف سنة وهي لغة مرت بمراحل تبعاً للظروف التاريخية التي كانت تمر بها القبائل الناطقة بها وهي أهم لغات العائلة الألطية وأكثرها انتشاراً حيث تعتبر اللغة الرسمية والوحيدة في الجمهورية التركية واللغة الرسمية في قبرص إلى جانب اللغة اليونانية.
وتنتشر لدى شريحة لا بأس بها في بعض الدول كألمانية والعراق ورومانيا واليونان وأفغانستان ومقدونيا .. نشأت اللغة التركية في أواسط آسيا كغيرها من لغات العائلة الألطية، حيث تعتبر أقرب اللغات التركية إلى اللغة المحكية الآن هي لغة السلاجقة، وهم أحد أهم قبائل الترك اعتنقوا الإسلام سنة 960م وتدرجوا في خدمة الدول الإسلامية حتى كانت لهم دول عظمى. حيث تأثرت اللغة التركية بعد اعتناق الترك الإسلام باللغة العربية واللغة الفارسية وكانت اللغة التركية آنذاك لغة منطوقة فقط ولم تكن مكتوبة وكلما تنقّل الأتراك إلى بلد كتبوا اللغة التركية بأبجدية البلد التي ينتقلوا إليها. حتى حط بهم الرحال في الأناضول بعد انتصار السلاجقة على الروم في معركة ملاذكرد التاريخية عام /1070م – 463هـ / حيث اعتمدوا الحروف العربية في كتابة لغتهم.
ومع بزوغ فجر الإمبراطورية العثمانية كانت اللغة التركية العثمانية هي اللغة الرسمية السائدة في الدولة لأكثر من ستة قرون وهي مزيج من اللغات الثلاث: التركية والعربية والفارسية، ومعتمدة على الحروف العربية في كتابتها، وكانت تُعتبر لغة الدولة والطبقة المثقفة والعليا، بينما استمر الشعب التركي العادي في تكلم اللغة التركية الأناضولية التي شكلت فيما بعد نواة اللغة التركية في القرن العشرين. وذلك عند انهيار الدولة العثمانية عام 1923م وتسلم مصطفى كمال أتاتورك لقيادة الجمهورية التركية فأعلن عن إنشاء جمعية اللغة التركية التي كانت الغاية الأساسية منها تطهير اللغة التركية من الكلمات الأجنبية وخصوصاً العربية والفارسية حيث كانت تستحوذ اللغة العربية لوحدها على نصف الكلمات المستخدمة في اللغة العثمانية.
فكان أن أبدلوا الحروف العربية بالحروف اللاتينية المستخدمة في أوروبا كما استطاعوا استرجاع مئات الجذور التركية التي اندثر استخدمها أثناء الفترة العثمانية وكانت التوجه لاستبدال الكلمات العربية بكلمات من لغات أوروبية ولاسيما اللغة الفرنسية التي كانت شائعة وسط الطبقة الراقية في تركيا آنذاك وإلى جانب انتشار المدارس الفرنسية في تركيا وكثر المبتعثين الأتراك للدراسة في فرنسا.
ولا زالت جمعية اللغة تستبدل حتى الآن الكثير من الكلمات العربية مما خلق تفاوتاً بين لغة كل جيل في تركيا. وفي السنوات الأخيرة كان توجه حكومة العدالة والتنمية إعادة تعليم اللغة العثمانية للجيل الناشئ حيث ترى أنه من المعيب على هذا الجيل أن يجهل قراءة نصوص أمته التي كتبت منذ أقل من مئة عام فقط .
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.