نطفة التقت بويضة فحكمت أمة.. هذه الطريقة الأولى للوصول إلى الحكم في الوطن العربي، العالم يختارون حكّامهم من خلال صناديق الاقتراع، وحكامنا يختارون شعوبهم بغرف النوم.. مجرّد التقاء بيولوجي عابر يؤهّل هذه "النطفة" أن تحكم ملايين الشعوب، حتى لو كان معتوهاً، أو سفيهاً، أو مختلاً، أو محتلاً، أو منحرفاً، أو ديكتاتوراً، أو ضعيفاً لا يستطيع أن يحكم احتباسه البولي يصبح بالضرورة زعيماً عربياً تخضع لإمرته الجيوش وتسبّح باسمه الشعوب وتبسط بين يديه الثروات ويصبح "إله الدولة" المعبود..
أما الطريقة الثانية، عندما يعم الفساد في البلاد وترتخي مفاصل الدولة ويعطي الغرب شارة "السقوط" لانقضاء الحاجة من حاكمها، فإن أول سائق دبابة يدخل العاصمة سيصبح زعيماً أيضاَ.. المسألة ليس لها علاقة بالرتبة ولا بالكفاءة ولا بالقيادة ، من يقود دبابة فيها وقوداً كافياً وصيانة جيدة تؤهلها لتسبق غيرها للمضي أولاً نحو العاصمة سيصبح سائقها رئيساً لتلك الدولة.. ويترك لحظ الشعوب أن يحدد إن كان "السائق الزعيم" معتوهاً أو سفيها أو مختلاً أو محتلاً أو منحرفاً أو شاذاً أو ديكتاتورا.. فإنه بحكم القوة أصبح زعيماً يجب أن تخضع لإمرته الجيوش، وتسبّح باسمه الشعوب، وتبسط بين يديه الثروات، ويصبح إله الدولة المعبود بلباس الجيش الأخضر..
تخيّلوا أن زعيماً عربياً يجلس على كرسي متحرّك، تعرض لأكثر من جلطة دماغية، لا يعرف حتى أولاده، مات جلّ أطبائه.. ما زال يحكم عشرات الملايين وأحد لا يجرؤ أن يقول له تنحّى |
مرة واحدة في قيلولة التاريخ العربي المعاصر كله، استيقظ شعب بين غفوتين فانتخب رئيساً من خلال صندوق الاقتراع، لكن الوضع لم يستقم، فقد اعتاد الشعب أن يتأرجح بين "النطفة" و"الطلقة"، ما لبث الرئيس المنتخب أن سجنوه بالمؤبد وقبّلوا فوهة الدبّابة من جديد تائبين عن خطيئة الحرية..
مع كل هذا ما زلنا ننكر أننا نعيش بمرحلة فرعونية جديدة!!.. من كان يقرأ القصص القديمة كان يبتسم ساخراً يا لهذا الجنون كيف كانوا يعبدون فرعون؟ كيف يحكمهم وينهب ثرواتهم ويضاجع نساءهم ولا يثور عليه أحد؟!.. ما أسخفنا نحن!! نحن اليوم أحفاد العبيد القدامى.. نصلي على عباءة فرعون ونتنازل عن أملاكنا وأموالنا وعندما تحرقنا شمس الانتظار على باب قصره ليتكرّم علينا بخبزنا اليومي.. نستظل بفيء بسطاره قليلاً.. نحن أحفاد أولئك العبيد، وهم فراعنة العصر الجديد، فراعنة بربطات عنق..
تخيّلوا أن زعيماً عربياً يجلس على كرسي متحرّك، تعرض لأكثر من جلطة دماغية، لا يعرف حتى أولاده، مات جلّ أطبائه بعد صارع طويل مع مرضه.. ما زال يحكم عشرات الملايين وأحد لا يجرؤ أن يقول له تنحّى، زعيم آخر فاقد للذاكرة منذ سنوات وما زالت كل المحطات الفضائية تبث أغنيات عنه تشيد بالحكمة والرؤية الثاقبة وقيادة العرب.. وثالث، كان آخر ظهور له قبل اختراع "الواتس اب".. ورابع يضبط ساعته وحُكمه ونومه على رضا (إسرائيل).. ويصفّق له الإعلام على أنه المناضل الأول وحامي البلاد من الأعداء.. عن أي أعداء تتحدّثون!!
في زمن "الفراعين" الجدد.. "أولمرت" يكنس السجن كباقي السجناء بعد اتهامه بتلقي رشى بائسة، ورئيسة موريشوس تـُعزل من منصبها بسبب بطاقة بنكية، و"ساركوزي" يسجن ويحقق معه على أموال القذافي.. وحاكمنا العربي بيده كل شيء، لا يخطئ، لا يحاسب، لا ينسى، لا يرينا إلا ما يرى، لا ينجب إلا آلهة، يريد أن يبلغ الأسباب.. ونحن نصلّي له كل صباح صلاة "الاستبقاء".. كي يحكمنا أكثر..
ما أتعسنا..
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.