شعار قسم مدونات

نساء في زمن الطوفان

مدونات - امرأة ومرآة

عندما أفتح باب منزلنا فأنا أبحث عن أمي أولا وقبل كل شيء.. لأن المنزل هو أمي.. وصوتها هو الطمأنينة.. ووجودها هو الدفء والأمان.. لا أكتب عن أمي! ولا أجد شيئا سوى الدموع كتعبير عما بداخلي اتجاهها. لكني تساءلت.. كيف لامرأة بسيطة كأمي لا تجيد كتابة ولا قراءة، لا تملك مالا ولا جاه ولا عملا.. أن تجعل من نفسها "ملكة" تتربع على عرش قلوبنا بالرغم من كل الصعاب، وكأنها مغناطيس يجذبنا إليه مهما ابتعدنا؟! ليس لأنها أم أو أمي.. ولكن لأنها، وببساطة، إنسانة معطاءة.. واعية بمسؤولية وأولوية تربية أبناءها وتعليمهم وحمل همهم قبل أن تهتم بأي شيء آخر حتى نفسها.. وهي بهذا عماد الأسرة، شأنها شأن باقي النساء "الواعيات" أمثالها، ليس فقط الأمهات، فهنالك الأخوات والخالات والعمات والصديقات.. ولذلك يقال أن "المرأة عماد المجتمع"، وهذا تكليف أكثر مما هو تشريف.

  
أما في زماننا هذا، زمن "الطوفان التكنولوجي" أصبحت أرى أن النساء العربيات "مريونيط" بين أياد ملعونة تسعى لتدمير مجتمعاتنا عبر قصف عمادها. فأضحينا نرى نساء يعشن في تفاهة لا توصف!! شغلهن الشاغل تشويه ما صور الله وأتقن صورته تحت شعار "عمليات التجميل"!! فضاعت المسكينات بين شد ونفخ ونحت القوام.. و"أنفك لايتماشى مع وجهك" و"شفتيك لا تلائم أذنيك".. ومساحيق "تغيير" لا تعد ولا تحصى.. وملايين من الفيديوهات اليومية عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن كيفيات وضع المكياج وتركيب كل شيء من شعر وحواجب وأظافر..؛ يعني اهتمام مفرط بالظاهر وإهمال للعقل والفكر والباطن عموما.
  

يرفعون لافتات "اقلعي وخلي الدنيا تحلو"، "مارسي الجنس بكل حرية وبلاش عقد"، "تحرري وعيشي الحياة".. ليقع الجنس اللطيف فريسة ينهش في لحمه وكرامته وعفته كل من هب ودب..

والأخطر من هذا، إعلامنا "المخرب"! الذي يبث كما هائلا من مسابقات الغناء والرقص تجعل من مغنيات وراقصات "قدوة"!!! فتراهن يتتبعن أخبارهن صباح مساء، ويتطلعن لبلوغ ما وصلن إليه من شهرة وأموال و"جمال".. بالإضافة إلى برامج "الفاشن" والموضة والأناقة.. ويأتي بخبراء لم نكن نسمع بهم من قبل: خبراء تجميل، خبراء مكياج، خبراء شعر.. وطبعا مسلسلات وأفلام سخيفة، كالمسلسلات التركية مثلا، تجعلهن يحلمن بالفارس التركي "الوسيم" الذي سيحملهن ويطير بهن إلى تركيا، ليعشن الرفاهية في قصور على ضفاف نهر البوسفور..
 
وبين كل هذا وذاك، ضاعت العقول وشل التفكير وأطيح بأساس هذا العماد واستوطنت مفسدات القلوب، ونسينا أنه وضع على كاهلهن مسؤولية دين ومسؤولية صناعة وتربية أجيال حتى وإن لم ينجبن! فالمسألة ليست مسألة إنجاب أو تعلم أو دراسة، وإنما وعي بالمسؤولية والحمل الثقيل.. وأننا أمام حرب معلنة بنعومة وخطط واستراتيجيات مدروسة وممنهجة، تجعل من الإعلام والإنترنيت أهم وأنجح وسائلها.. تخضع لها عقول صدقت أكذوبة أن دينها عقد وتخلف وعائق أمام تحررها، من خلال المسلسلات والبرامج "الهادفة" (هادفة لتخريب العقول طبعا)..

 

وأشباه رجال يشجعون كل هذا، لأنه يخدم بالأساس شهواتهم وغرائزهم فيمارسونها بكل راحة وسهولة وسلاسة وبساطة.. وحتى إن وقع ما وقع، يقنعون الجميع أن النساء هن السبب وهن الفتنة! فهؤلاء من يرفعون لافتات "اقلعي وخلي الدنيا تحلو"، "مارسي الجنس بكل حرية وبلاش عقد وكبت"، "تحرري وعيشي الحياة لأنه من حقك"، "كوني متحضرة فهذا دين متزمت متخلف".. وما إلى ذلك من الترهات؛ ليقع الجنس اللطيف فريسة ينهش في لحمه وكرامته وعفته كل من هب ودب.. وكل هذا من باب ما أسموه بالتحرر والحرية.. مع العلم أن المرأة لم ولن تكرم تكريما أعظم من تكريم الإسلام لها، فالله جل جلاله خصص للنساء سورة بأكملها في كتابه الكريم (سورة النساء ١٧٦ آية)، ولن يدافع عن النساء أحد أكثر مما دافع عنهن أشرف الخلق محمد عليه صلوات الله وسلامه..

  undefined

 

وفوق أنقاض كل هذا الخراب والفساد والانحلال الأخلاقي، نجح اقتصاد هذه "الأيادي"؛ فزادت أرباحهم عن طريق توسيع إنتاجهم ليسد كل الاحتياجات (منتوجات، خدمات، إعلام..)، وهيئوا الأسواق العربية للاستهلاك وأتقنوا فن التسويق لمنتجاتهم، مستعينين بلحم "عماد المجتمع"! لأنهم يجيدون الإنتاج والتسويق، ونحن نجيد الاستهلاك! وهذا بالضبط ما يقصده المثل المصري "موت وخراب ديار".. فنحن ندفع أموالا طائلة لتخريب مجتمعاتنا.. أنا شخصيا، إن أردت إنشاء مشروع مثلا (بعيدا عن كل مبدأ)، سأفكر في محل لبيع مواد التجميل أو مقهى؛ فأغلب النسوة لا يجدن سوى المكياج ومعظم الذكور لا يفعلون شيئا سوى الجلوس على المقاهي للاستمتاع بالتحرر.. (يعني سأفتح مكتبة مثلا! ؟؟).

 

لست جالسة على القمة لأنتقد بني جلدتي، ولا أنزه نفسي عن شيء.. فأنا أعيش وسط هذا الطوفان محاولة اللحاق بسفينة نوح، أو على الأقل أحاول التمسك ولو بقشة لأنجو! فهذا طوفان يجردنا من كل شيء؛ من العلم والأخلاق والمبادئ والقيم واللغة والهوية والثقافة.. بل وحتى من الملابس!! وكل هذا من أجل تجريدنا من الدين.. فالقضية كانت ولا زالت وستضل قضية دين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. وأسأل نفسي، بصفتي عنصرا مستهدفا، هل سأنجو؟.. هل سأثبت؟.. هل سأستطيع أن أكون امرأة مسؤولة أمام ربي وأمام خلقه؟.. هل سأقوى على جعل نفسي قدوة حسنة في زمن الانحلال والفساد؟.. وهل أنا على قدر هذه المسؤولية والأمانة؟.. فيا له من حمل ثقيل عرض على الجبال فأبين أن يحملانه فحمله الانسان لأنه ظلوم جهول..

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

إعلان

إعلان