شعار قسم مدونات

كل نوروز ونحن ننتصر

blogs عيد نوروز

جاء في الأسطورة الكردية إن ملكا ظالما يدعى "ازدهاق" كان يذبح كل يوم عددا من الشباب وذلك بناء على نصيحة من كهان ليشفى من مرض أحل به. فقام أحد الشباب واسمه "كاوا الحداد" رفقة أصدقائه بإعلان ثورة على الملك الظالم. وأوقدوا النيران على الجبال احتفالا بالحرية والتخلص من الاستعباد وصادف احتفالهم في ذلك الوقت دخول الشمس في برج الحمل وحلول الاعتدال الربيعي.

 

يرمز عيد نوروز لذكريات النصر. فترى الكرد يوقدون النار على سفوح الجبال وفوق المنازل كإشارة منهم بأن نور الحق آت مهما جارت الأزمان على جبالهم. فحين نوروز ترتدي المرأة الكردية أجمل الألوان وتضع أقراطها الذهبية مع حزام يتوسط الخصر ويضيف رونقا أنثويا على ذلك الفستان الطويل ذي الأكمام الضيقة قليلا، الذي يبدوا وكأنه صُمم على قياس أميرات الشرق القدامى، فترى الكردية تختال به وكأن تحت ساقيها كنوز الشرق وأمجاد أهل الشام. عند كل نوروز تصلني أجمل التهاني والأمنيات وكأن الثائر كاو يقول لي: لا تحزني فإن النصر قادم وسننتصر مرة أخرى! كما انتصرنا يوم الأنفال وأيام الحزام العربي وفي معارك كوباني هناك حين واجهت العذارى أعتى الوحوش البشرية المسماة بداعش، هناك حيث قالت الكرديات: أرضنا ودونها الموت.

 

يقول الباحثين أن عيد نوروز أسطورة تُميز الكرد ولكن حين تشارك صديقي روبار شرب شاي كردي بمدينة رانية على تخوم الجبل الأسود ستفهم بأن الكرد هم من ميزوا تلك الأساطير وهم من جعلوا من تاريخ الشرق مخضبا بالانتصارات والثورات. فالكرد من علمونا كيف يموت الفرد من أجل ثقافته ومن أجل ما ينطق به لسانه. أو لم يمت الكردي تحت بوط جيش البعث العربي لأنه كردي؟ أو لم يحيا الكردي بين سجون حافظ الأسد وابنه بشار لمجرد أنه كردي؟

 

لا يسعى الكردي لغزو شعب آخر ولا يهمه ما في خزائن الحكومات من أموال ولا ترى الكردي يخاصمك من أجل إفتكاك خيراتك، بل هم شعب يحلمون ببعض السلام

لا زلت أذكر كيف رفضت روبار أن أبدي تعاطفي مع أهلها لأنها ترى أنهم "شعب على قدر الفواجع"، فرب العالمين حسب روبار ليس بظالم للعبيد وصديقتي تؤمن بأن المقاومة قدر وليس بقضاء. فهي رحم نساء خلقن من جوف الجبال أو على شاكلة تلك الجبال الرواسي المترامية على أراضي الشرق لا تزعزع ثباتها بطش الأباطرة. فترى روبار تقاوم من أجل الحياة مع أبنائها وأهلها ومع صديقاتها من البشمرجة.

 

لا تشبه روبار النساء اللواتي عرفت لأنها امرأه تعادل ثورة، حديثه لا يختلف عن قدر الكسكي الذي تعده أمي لنا حين نجتمع تحت سقف بيتنا ، فروبار كما ذلك القدر لا تكف عن الغليان والفوران كأحداث ثورة إجتمع بين ظهرانيها  العسكر والشعراء والمناضلين والصعاليك والبسطاء الذين يرفعون رايات الوطن أمام ساحة الحكومة ببلادنا ويسألون القتلة عن دماء الشهداء ويهللون لكل أغنية فيها اسم البلاد.

 

روابي السليمانية ودهوك وعفرين ومهاباد وعلى حدود أرمينيا وتركيا هناك، لا يسعى الكردي لغزو شعب آخر ولا يهمه ما في خزائن الحكومات من أموال ولا ترى الكردي يخاصمك من أجل إفتكاك خيراتك، بل هم شعب يحلمون ببعض السلام. ترى المرأة فيهم تدعوا الرحمان عند كل صلاة ان يمر يوم يمر بدون طلقات البنادق وبدون أن تشارك صراخ جارة ثكلى أو تمسح بدموع صبية التحقت بمصاف المقاتلات. أليس من حق الكرديات الحياة مثلنا كنساء؟ تقول روبار: نحن لا نولد كنساء لقد جئنا لهذا العالم ككرديات فقط!

 

إذ يولد الإنسان الكردي وعلى جبينه قبس من نار يخاله الحكام تخطيطا ضد عروشهم، فتراهم يلاحقونهم بالاستجوابات والتحقيقات وآلاف الزنزانات، فيمضي الجنين من غرفة الولادة نحو مخفر الحي وجرمه الوحيد إنه ينتسب لشعب كُتب عليه يحيا على مرمى من الرصاص والقنابل. وفي خضم التوحش والمعارك من أجل السلام، يحط نوروز بين جبال الكرد ليخبرهم بأنهم باقون ببقاء الشمس والجبال، يطل نوروز شرقا ويرافقه ثافسوت غربا بألوانه الأمازيغية فيجتمعان على باب عشتار، تلك الفاتنة التي تغني عند ربيع: الحضارات لا تموت! وسيمحو نوروز عار الهمجية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.