شعار قسم مدونات

لماذا تعلَّقنا بسبيستون؟

مدونات - سبيستون 22

كنتُ صغيرةً جدًّا عِندما ماتَ ألفريدو في الحلقات الأخيرة من مسلسل عهد الأصدقاء، وكانت صدمةً كبيرةً بالنسبة لي، ومع أني أعدت مشاهدة ذلك المسلسل عشرات المرات إلَّا أنَّني في كل مرةٍ كنتُ أتجنب الحلقة التي يموت فيها، وعِندما دخلت الجامعة ودرست عن الأمراض وعرفت أن اسم المرض الذي قتله هوَ (السل الرئوي) ظللت حاقدة على ذلك المرض وعلى البكتيريا المسببة له، كونها سلبتني أول شخصية تأثرت بها في حياتي، وجعلتني أحب القراءة وأحب الأشخاص ذوي الأصوات الدافئة والابتسامة الجميلة، بل أصبحَ الانطباع الأول لي عن النَّاس مبني على أصواتهم وابتسامتهم، أحيانًا كثيرة أحبُّ شخصًا لأنَّ ابتسامته تشبه ابتسامةَ ألفريدو! لقد عشنا في سبيستون حياةً ماديةً وحقيقةً، بكينا عِندما طرِدت سالي في البرد وبكت على القش في الاصطبل وهيَ تحمل دميتها وتقول لصورة والديها: سامحني يا أبي، يبدو أنَّني أفقد قدرتي على الصبر، وعلى تحمل إساءة الناس!

قالت والدتي أنها شاهدت مسلسل سالي عندما كانت حاملًا بي، ربَّما لهذا أنا أحب سالي بشكل غير طبيعي، فقد تابعتُ المسلسل عندما كنتُ جنينًا، قبلَ أن أناغي وأتلعثمَ في الكلام، عرفتُ سالي، ربما نحنُ نبدأ بحب الأشياء أو كرهها قبل الولادة حتَّى، وربَّما لأنها قالت تلكَ الجملة وأنا الآن أقول نفس هذهِ الجملة عِندما أحزن وتخذلني الحياة: ربَّما سأفقد قدرتي على الصبر، وعلى تحمل الحياة. لقد كتبت مسودة روايتي الأولى بناءً على قصة أبطال الديجتال، رسمت الشخصيات والأسماء وبدأت بكتابتها ونسيتها في دفترٍ ما، وتركتها للنسيان والغبار والحياة الحقيقة التي سرقتنا من أنفسنا قبلَ أن تسرقَنا من ريمي وهزيم الرعد!

أتمنى يوميًا أن أعود لذلك الزمن الذي كنتُ أعيش فيهِ في سبيستون، وأسرق من وقت دراستي لأتابعها، وأنتظر الكابتن ماجد أسبوعًا كاملًا ليسجل هدف الفوز

كنتُ تلكَ الفتاة التي تعيش في سبيستون في كلِّ شخصياتها ومغامراتها، وأعزو معظم قدرتي في الكتابة والخيال لتلكَ القناة التي كانت تتوقف عن البث عند الساعة الثانية عشر، قبلَ أن يغرِقَنا القرن الواحد والعشرين بالهواتف المحمولة والفيسبوك والانستغرام والواتس آب، وكل تلك المسميات الصاخبة التي لا تشبهُ شغفنا الطفوليَّ الأبيض، والتي لا تنتهي ولا تتوقف ولا تأخذُ استراحة، ولا تقولُ لنا: سنعودُ بعدَ قليل والتي ليسَ لها نهاية ولا حلقة أخيرة ولا بهجة بالطبع.

وبعد سبيستون خلعت الحياةُ قناعها وصفعتنا بالأحزان الحقيقة، الحقيقة جدًّا، وبالأشرار الحقيقيِّن الذينَ يحرقونَ الأخضر واليابس، ويبيدون الشعوب، والبشر كأنهم حشراتً أو أقل، عرفنا العصابات الحقيقة التي تبدو عصابة الرداء الأبيض بجانبها ملائكةً بيضاء وليسَ عصابة. صفعتنا بالجرائم والمآسي والبلاوي الرزقاء والحمراء وكل الألوان الممكنة، واكتشفنا كم كانَ كونان يكذبُ علينا عِندما يقولُ لنا أنَّهُ لا توجد جريمةُ كاملة، وسيلقى المجرم عقابه في النهاية، هذهِ الحياة مليئة بالجرائم الكاملة وبالأيادي المغمَّسة بالدماء عرضًا وطولًا من غزة إلى اليمن، ومن نهر العاصي إلى حدائق بابل! أصبحنا ندركُ أنَّ الصبر ربما يكون أطول من ثلاثينَ حلقة، وأنَّ الحلقة الأخيرة أحيانًا تتأخر كثيرًا ربَّما أكثر من 12 سنة.

أتمنى يوميًا أن أعود لذلك الزمن الذي كنتُ أعيش فيهِ في سبيستون، وأسرق من وقت دراستي لأتابعها، وأنتظر الكابتن ماجد أسبوعًا كاملًا ليسجل هدف الفوز، وأكتشف أنَّ عليً أن أنتظر أسبوعًا آخر لأنَّ بسام سجل هدف التعادل، وأقلق كثيرًا عندما يوشكُ أبطال الديجتال على الخسارة ضدَّ الأشرار، وأحزن عِندما تتعرض ريمي للضرب من قبل كاسبر، وعندما تموت سيموني زوجة هزيم الرعد في الحرب الأخيرة، وأنتظر اللحظة التي تنزل بها سالي الدرجات بذلك الفستان بعد أن يعثر عليها صاحب والدها، وأفرح وأسرحُ أيضًا عندما تلتقي ساندريلا أخيرًا بالأمير شارل، وعندما تكتشفُ جودي هويةَ صاحب الظلِّ الطويل بعد ثلاثينِ حلقةً من تعذيبِ نفسونا الضعيفة بسره!

وفي هذه التدوينة سأتوجه بالشكر لكل شيءٍ جميلٍ في سبيستون، لأنها كانت أجملَ أيامنا حقًّا ولأنَّ شخصياتها كانت أجمل وأصدق وأنبلَ من عرفنا على الإطلاق، وسأخاطبهم باعتبارهم أشخاصًا على أرض الواقع فقد عشت معهم وتعلقت بهم أكثر بكثير من أغلب من عرفتهم. شكرًا ألفريدو أول قارئ نبيل عرفتهُ في حياتي، وشكرًا سالي أول شخصية متسامحة عرفتها، وشكرًا ريمي أول شخصية محبة ومضحية عرفتُها، وشكرًا فولترون أول شيء جعلني أحب اللون الأزرق وأتعرش بهِ في كل تفاصيل حياتي، وشكرًا هزيم الرعد أول بطل ومقاوم في وجه الظلم، ولمسلسلي المفضل ناروتو شكرًا لكل شخصياتك كلٌّ باسمه ولقبه، لأنه هذا المسلسل هو أطول شيءٍ التزمت به، فقد تابعتُ حلقاته أولًا بأولٍ فور صدورها حتَّى في أيام الحروب الثلاثة، يعني تحت البرد والأمطار والقصف والنار، وشكرًا للأشرار الذينَ اكتشفنا أنهم أبرياء أمام أشرار العالم الحقيقي، وشكرًا لكل أغاني الشارات التي تجعلني للآن أدخل في غيمة من الطفولة والبراءة والسلام، وأخيرًا شكرًا ماوكلي لأنَّكَ قلتَ لنا قبلَ الجميع أنَّهُ يوجدُ حيوانات في الغابة أكثر إنسانيةً من البشر في المدن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.