علّمنا ديننا الإسلامي، دين الحب والسلام، أن نشكر الناس، وأن نثمن صنيعهم، وأن نقول لهم أحسنتم، إذا قدّموا ما يستحق أن يشكروا عليه، كيفما كان دينهم أو عرقهم أو لونهم، وعلّمنا أن نربت على كتف من أخفق وأن نشجعه على تجاوز إخفاقه. فالإنسانية بمفهومها العام لا لون لها ولا دين، إذ هي مجموعة من الأحاسيس والمشاعر يتسّم بها الإنسان منها الرحمة، والعطف، وبذل الخير، لمن حوله.
كما تتسم كذلك بتلك الروابط الإيجابية والحميدة في آن واحد، التي تربط الإنسان بأخيه الإنسان بكل أريحية، والتي يظهر أثرها جليا في كل ما يقدم من خدمات إيجابية، فالعلاقات الإنسانية بين الأفراد في المجتمع، سواء داخل الأسرة أو خارجها، والتي تجسد في روابط شتى كالرابطة الزوجية، أو رابطة الأمومة والأبوة، أو رابطة البنوة، أو رابطة الأخوة، وغيرها من الروابط والعلاقات المفعمة بمشاعر الحب والمودة والإخاء، ذات الأثر الكبير في تلطيف وقع الحياة على الفرد والمجتمع ككل.
استمرت أنجلينا جولي في توجيه انتباهها على أهم القضايا العالمية، وحازت على جائزة العمل الإنساني العالمي من جمعية الأمم المتحدة لنشاطها في الدفاع عن حقوق اللاجئين |
فقد نجد الكثير من الأشخاص، الذين يتسمون بهذه الروح الفياضة، المليئة بالعطاء والسخاء المادي منه والمعنوي، وهم بذلك يجعلون لحياتهم معنى، ويرسمون لها هدفا واضح المعالم، ويندفعون لتأسيس الجمعيات الخيرية، التي يجد في حضنها الدفء، الأيتام والعجزة والمشردون، وكل من عبست لهم الحياة، ليجدوا فيها مرفأ آمنا، يحتمون فيه من ويلات الحروب، وملمات الخطوب، وانكسار القلوب، فيأمنون بعد فزع، ويطمئنون بعد هلع، وقد يحسون في أنفسهم قوة من بعد ضعف، وقدرة من بعد عجز، فيعاودون السير من جديد، ويواصلون الحياة بعد توقف، وكل ذلك بفضل تلك العواطف الجياشة، التي حفزت غيرهم على مدهم بيد المساعدة، وبذل يد العون لهم.
والسيدة أنجلينا جولي الممثلة العالمية الهوليودية من هذا الصنف من الناس، الذين حملتهم إنسانيتهم الفياضة على التضامن مع من تنكرت لهم الحياة، وقلب لهم الدهر ظهر المجن، كاليتامى وضحايا الحروب، وقد أثبتت بالفعل أنها أيقونة الإنسانية اليوم، فأضافت إلى شهرتها الفنية، شهرة أخرى وهي اتصافها بمشاعر إنسانية فياضة، ما أفاضته من مشاعر إنسانية على من كتب عليهم اليُتم، أو التشرد، أو القهر، أو الحرمان من أبسط الحقوق.
فبعد أن عينتها منظمة الأمم المتحدة سفيرة النوايا الحسنة لدى مفوضية الأمم المتحدة لتوفير المساعدات للاجئين في الدول التي تعاني من الحروب، وقد استمرت في توجيه انتباهها وتركيزه على أهم القضايا العالمية، وقد وفقت في ذلك كل التوفيق، مما جعلها تحوز جائزة العمل الإنساني العالمي من جمعية الأمم المتحدة لنشاطها في الدفاع عن حقوق اللاجئين عام 2005.
ولعل ما يلفت في تعاملها مع من تبنتهم من الأطفال أنها حرصت كل الحرص على أن يكونوا على دراية بما حدث في دولهم الأصلية، وهي تعمل على إرسالهم إلى دولهم لمعرفة خصائصها الطبيعية. وتسعى أيضاً إلى تعليم أبنائها جميع الأديان، لتكون لهم الحرية فيما بعد في اختيار الدين الذي يفضلونه.
ونحن إذ نشيد بما قامت به السيدة أنجيلينا جولي فذلك لأنها قامت بما ينبغي لها كامرأة، والمرأة يتوقع منها أن تكون مرهفة الإحساس، لطيفة المشاعر، تتدفق عطفا، وتذوب رحمة، هذا من جهة ومن جهة أخرى، فلأنها تصرفت كإنسانة والإنسان لا يكون كذلك إلا إذا تحمل مسؤوليته قبل الآخرين، فأنجد المظلوم، وأعان العاجز، وأعطى المحروم، لأن مقتضى الإنسانية أن تتجاوب مع معاناة سواك من الناس وتحس بآلامهم، وتتألم أشد الألم لمصابهم، لا أن تصم آذانك دونها كأنك غير معني بها، ولا علاقة لك بها ولا بهم.
لقد خصصناها بالكتابة عنها لأننا وجدنا فيها المرأة التي أضافت إلى رصيدها اليومي والعملي شيئا يذكر، المرأة التي حاولت أن تضع بصمة في كل هذا الهرج والمرج الذي نحن فيه، المرأة التي ضمدت القلوب المكلومة التي أنهكتها الحروب، وأخذت منها كل مأخذ، المرأة التي لم تشغلها شهرتها عن القيام بما يمليه عليها الضمير الحي، والإنسانية الحقة.
ولعل سائل يسأل لماذا لم تذهب السيدة أنجلينا جولي إلى غزة؟ أو إلى الغوطة الشرقية؟ أو غيرها من الأماكن التي تعاني الدمار والشنار من هاته الحروب؟ وله أقول إننا كمسلمين نحن المطالبون بهذه الإنسانية قبلها، والأولى أن نسأل أين هنّ مثيلاتها من فنّاتنا العربيات، ألسن هنّ أولى بالتضامن مع الأمة في مصابها وآلامها، فما فعلته أنجلينا جولي تُشكر عليه دقّ أو جلّ، ويستعظم منها كثر أوقلّ، لأنها فعلت ذلك تطوعا، لا كرها ولا طمعا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.