شعار قسم مدونات

الغوطة الشرقية.. رسالة من خوذة بيضاء

blogs الدفاع المدني السوري

"يا دفاع.. يا دفاع.. يا دفاع" كلمات تخرج من تحت الأنقاض بعد كل غارة جوية، أو قذيفة مدفعية، أو قنبلة عنقودية يرميها نظام الأسد على الغوطة الشرقية.. هذه الأصوات المتعبة نسمعها يومياً من نساء ورجال وحتى الأطفال، فتشحذ هممنا وتقوّي سواعدنا الخالية من أبسط المعدات! عناصر الدفاع المدني في الغوطة المحاصرة يرمون كل أوجاعهم ومتاعبهم، ينسون كل مصائبهم والمخاطر المحدقة بهم، مع أول صوت يصدر عن روحٍ كانت عالقة تحت الأنقاض، وعادت الروح إليها من جديد. وبين النداء من مصاب عالق تحت الأنقاض، وتلبية النداء من عنصر يحمل روحه على كفه، سأسرد لكم شيئاً عن الدفاع المدني..

 

اليوم، وأنتم تقرؤون هذه الكلمات، عناصر الدفاع المدني لا يملكون إلا أجسادهم يفتدون بها أطفال الغوطة ونساءها ورجالها، خرجت مراكزهم ومعداتهم عن الخدمة، لا سيارات إسعاف ولا إطفاء، ولا آليات ثقيلة، ولا مواد إخماد الحرائق، وهم للسنة الخامسة على التوالي محاصرون إلى جانب أهالي الغوطة الشرقية من نظام الأسد.

 

ولعلكم تتساءلون إذا كان الحصار لخمس سنوات منع كل الوسائل المتطورة عن عناصر الدفاع المدني، فكيف حالهم إذا بدأت الحرب بجميع أنواع الأسلحة؟ كيف يتعاملون مع العنقودي والكيماوي والنابالم والفوسفور والارتجاجي والفراغي والأسلحة المستحدثة كصواريخ "الفيل"؟! هل تتخيلون كيف يتصرفون وكيف يعملون؟.. بالعاميّة سأقولها "ما صفيان غير أيدينا ومعاول بسيطة نعمل بها وكثير من أمل".

 

عندنا من الأمل والعزيمة والإصرار ما يكفي لأن نستمر في عملنا، ويكفينا نظرة رضا وامتنان، وبريق عين محبّة من مدني كنا عوناً له
عندنا من الأمل والعزيمة والإصرار ما يكفي لأن نستمر في عملنا، ويكفينا نظرة رضا وامتنان، وبريق عين محبّة من مدني كنا عوناً له
 

تصل إلينا أخبار بأن منطقة ما في غوطتنا تعرضت لقصف ببرميل متفجر، ولا يمكنك الوصول إليها بسيارة، حتى وإن توفّرت سيارة فالطريق مدمّر، يجري عناصر الدفاع المدني على أقدامهم، يلاحقون الصوت الذي أخبرتكم عنه في بداية كلامي "يا دفاع.. يا دفاع.. يا دفاع"، هو ينادي باللاشعور لأن الأمل معقود على هؤلاء.. هو لا يعلم إلا أنهم يسعفون المصاب، وينتشلون العالقين من تحت الأنقاض، ويزيلون الأنقاض، ويجهل حجم مصاعبهم، وأنهم يعملون بـ"اللاشيء".

 

ما سردته واقع أليم، ولعلّكم ترونه فيما ينشر عبر معرّفات الدفاع المدني على وسائل التواصل الاجتماعي، كلّ هذا الألم يصبح طيّ النسيان مع أول صوت صادر عن طفل رضيع مدفون تحت بيته وخرج حيّا. وإذا سألت عن شعور عنصر متطوع في الدفاع المدني، بعد أن ينتزع جسداً من تحت الأنقاض وهو على قيد الحياة يقول "والله إذا حرمت من الطعام والشراب والنوم لثلاثة أيام أنسى هذا كله إذا شفت اللي طالعتوا من تحت الأنقاض عايش".

 

نحن في الدفاع المدني فقدنا منذ 19 شباط 2018، وحتى 11 آذار الجاري 5 عناصر من الدفاع المدني، من بينهم أحد المؤسسين في الغوطة، وأصيب منّا 25 عنصراً بجروح، وعملنا خلال هذه الفترة رغم تعرض الغوطة لنحو 2116 غارة جوية، و569 برميل متفجر، و1225 صاروخ أرض أرض، و5695 قذيفة مدفعية. ورغم كلّ ما ذكرته عندنا من الأمل والعزيمة والإصرار ما يكفي لأن نستمر في عملنا، ويكفينا نظرة رضا وامتنان، وبريق عين محبّة من مدني كنا عوناً له.. لذلك نحن مستمرون.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.