كثير من مسلمي أوروبا القدماء ومسلمي أوروبا الجدد الذين قدموا كلاجئين في السنوات الأخيرة لا يعلمون كثيرا عن تركيبة وهيكلة وأفكار الحركة الإسلامية "المعتدلة" في أوروبا، وأعتقد أن من واجب المثقف المسلم في أوروبا نقاش هذا الأمر وتدارسه لأن مستقبلها وقراراتها تؤثر سلبا أو إيجابا على مستقبل الأقلية المسلمة.
مشاركة المثقفين والباحثين المسلمين وحتى غير المسلمين في تشخيص الأزمة التي تعيشها الحركة الإسلامية أمر هام لتجاوز التحديات المختلفة لأن العاملين داخل منظومة الحركة قد لا يستطيعون بمفردهم تقدير الموقف والتحولات الجارية وتحليلها بشكل سليم ومتوازن.
وأوروبا قارة صغيرة بحجمها ولكنها كبيرة بعدد سكانها غنية بمواردها وصناعاتها وتكنولوجياتها وعلومها بالإضافة إلى تعدد وتنوع تقافاتها ونستطيع أن نقول أنه رغم وجود العديد من القواسم المشتركة التي تجمع بين الدول الأوروبية وخاصة دول الاتحاد الأوروبي إلا أن هناك خصوصية لكل بلد منها. وهذه الخصوصية قد تنطبق أيضا بشكل أو بآخر على الحركة الإسلامية وأفرعها في البلدان الأوروبية المختلفة فلذلك سنتطرق إلى تحليل هذه الأزمة بخطوطها العريضة.
الحركة الإسلامية في أوروبا تحتاج الخروج إلى السطح لتجعلها قادرة على الإمساك بزمام المبادرة وإدارة الأزمة والعمل مع المحيط الأوروبي المجتمعي المسلم وغير المسلم بوضوح وشفافية |
إن الوضع العام للحركة الإسلامية في العالم يمر بأزمة كبيرة سواء من الجانب الفكري أو الجانب التنظيمي، ولكن كثير من الحديث والنقاش والتحليل ينصب عادة على الحركة الإسلامية في العالم العربي ولا تنال الحركة في أوروبا تحليلا وأبحاثا تذكر بين الأوساط الثقافية العربية والإسلامية بينما نجد في أوساط الباحثين والإعلاميين الأوروبيين شرها كبيرا في الكتابة عن الحركة الإسلامية والإسلاميين بشكل عام وخاصة في السنوات الأخيرة. بالإضافة إلى التقارير والأبحاث التي تقوم بها بعض الدول الأوروبية كبريطانيا والنمسا والسويد.
ولا شك أن تصاعد اليمين المتطرف وتواجده في أماكن اتخاذ القرار أو بالقرب منها على الأقل من العوامل الهامة التي ربما سرّعت في تسليط الضوء على أنشطة الحركة الإسلامية والإسلاميين. فاليمين المتطرف الذي يرى المجتمعات بعين الأحادية الثقافية يعتبر الإسلاميين والمسلمين بشكل عام عنصر يهدد هذا النموذج الأحادي الذي يحلم به بديلا عن نموذج مجتمع تتفاعل به الثقافات المتعددة، فهو يريد المسلم جسداً بلا أفكار ولا أحلام.
والأزمة التي تعيشها الحركة في أوروبا تتميز عن أخواتها في المشرق أنها لا تعترف بوجود حركة إسلامية في أوروبا وعليه فهي لا تقوم بأي ردود وتفنيد أو مناقشة للأبحاث والدراسات المنتشرة في شرق أوروبا وغربها وهذا ما يعقد تشخيص الواقع الذي تعيشه الحركة وكيفية مواجهة التحديات والخروج من الأزمة والعمل على إشراك الآخرين معها في حلها. كما أن هذا بدوره يزيد رغبة العديد من الباحثين والإعلاميين والسياسيين للبحث والتنقيب عن كنه هذه الحركة ومؤسساتها وعلاقاتها وأفكارها.
إن الحركة الإسلامية في أوروبا تحتاج الخروج إلى السطح كما ذكرت ذلك في مدونة سابقة لتجعلها قادرة على الإمساك بزمام المبادرة وإدارة الأزمة والعمل مع المحيط الأوروبي المجتمعي المسلم وغير المسلم بوضوح وشفافية انطلاقا من هذا الأساس. إصرارها على عدم الاعتراف بوجودها كفكر وكأيديولوجيا وكتنظيم رغم الأدلة الكثيرة التي يتحدث عنها الباحثون والإعلاميون بإثبات وجودها وعلاقة مئات المؤسسات بها إن لم يكن الآلاف قد يجعلها تخسر الصديق تلو الصديق ولا يبقى لديها إلا مجموعات من التيار "اليساري" وأفراد من هنا وهناك ينظرون إليهم كمجموعة مضطهدة يجب الدفاع عنها.
كما يجب علينا ألا ننسى الجانب الأخلاقي الذي يجب على الحركة الالتزام به لأنها في المقام الأول هي عبارة عن مؤسسة دعوية ليست سياسية ورأسمال هذه المؤسسات هي القيم والأخلاق. فالالتزام بالجانب الأخلاقي هو تحمل للمسؤولية تجاه المجتمع وتجاه الأقلية المسلمة التي هي جزء من المجتمع. والبداية تبدأ من الاعتراف بأنها تعيش أزمة وتشخيص معالمها ضمن إطار الواقع ومعطياته وبالمنطق والحجة الذي تفهمه هذه المجتمعات، فعندما يمرض الإنسان مرضا شديداً يهرع عادة إلى الأطباء المختصين من أجل تشخيص المرض ثم اقتراح العلاج المناسب.
أعتقد أن الحركة في أوروبا هي بأمس الحاجة إلى اللجوء إلى جهة خارجية مستقلة متخصصة في شؤون المنظمات للقيام بتشخيص أزمتها واقتراح الحلول للخروج منها بأقل الخسائر الممكنة، والتي إن لم يتم تداركها فإن هذه الأزمة لن تعصف بالحركة الإسلامية وحدها فحسب بل وستعصف بأعمال ومؤسسات كثيرة هي ثمرة جهود آلاف المسلمين الأوروبيين، لأنه في احتدام الأزمة وتصاعدها سيصبح من العسير التمييز بين ما هو ينتمي للحركة أو لا ينتمي لها وخاصة أن اليمين المتطرف ودائرته التي تتسع ترى جميع المسلمين أناساً يحملون ديناً غريباً عن هذه المجتمعات غير قابل للاندماج.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.