شعار قسم مدونات

رواية "لست امرأة عادية".. حين تقلب المرأة الموازين

blogs امرأة
 
ما يمكن فهمه وتصديقه أن أي امرأة تتمتع بالقوة والصمود والعزيمة لم يكن بمحض الصدفة وإنما هو حصيلة تجارب وخبرات حياتية لم تكن سهلة على الإطلاق. ولكن القارئ لسطور رواية لست امرأة عادية للكاتبة الفلسطينية آلاء حسونة يجعله يستوقف للحظات ويلامس مدى النضوج الفكري التي تتمتع به الكاتبة رغم صغر سنها، فهذا إن دل فهو يدل على براعة المرأة الفلسطينية وقوتها التي تنشأ من الواقع الذي تعيشه. ففي طيات روايتها استطاعت أن تخط أناملها الكثير من العبرات والنصائح الجمة وقد استندت إلى نصوص من القرآن الكريم والحديث الشريف في سرد أحداث الرواية التي تحكي عن قصة سيدة تدعى فريهان وهي زوجة مسلوبة الحقوق ضعيفة ومهمشة علاوة على معاملة زوجها لها فقد كان يسئ معاملتها فقد عانت من الظلم والاستبداد والنظرة الدونية لها كونها غير متعلمة وغير مثقفة ولا تناسب مركزه الاجتماعي الذي يتمتع به.

  
فلا عجب لرجال كثر في مجتمعاتنا الشرقية أن يتزوج من امرأة أقل منه المستوى في التعليمي والاجتماعي، ويخاف الارتباط بامرأة ذكية ومثقفة ولها دور فعال في المجتمع فهو فقط يعجب بها من بعيد لكنه يفكر ألف مرة قبل الارتباط بامرأة ذكية ومثقفة حيث تمثل مصدر قلق له مما يثير الدهشة أن رجالاً واعين ومثقفين واجهات اجتماعيه وسياسية أصبحوا يحملون هذا الخوف وتختفي مدنيتهم وعقلياتهم المنفتحة والواعية عند اختيار شريكات حياتهم فتخيفهم المرأة المستقلة وثبتت في أذهان الرجال أن المرأة منتقصة الحقوق يجب أن تنطوي تحت جناح رجل مهما كانت أخطاؤه وسيئاته ومهما حدث ستبقى تحت رحمته.

 

في رواية "لست امرأة عادية" المرأة وحدها باستطاعتها قلب الموازين وعليها بالبحث عن الأنثى الموهوبة الطموحة المتألقة داخل كينونتها وأنه بإمكانها أن تحول نفسها إلى امرأة لا تتكرر بالتاريخ

ولا يدرك الرجل أن إهمال المرأة كعقل وكشريك فاعل في الحياة وكإنسانه نزيهة ومستقيمة يعتبر أحد المزالق الكبرى التي تضاف إلى سجلات التقهقر الحضاري. فتركيز الرجل على بعد واحد في المرأة مسألة جليلة الخطر تقلل من شأن المرأة ومن وظيفتها الاجتماعية والاقتصادية والروحية.. ولا تترك مجالاً فسيحاً لوضع المرأة في النسق الاجتماعي حيث إن الوعي الزائف الذي نشأ عن نزر منهن، يتحمل الرجل جزء أعظم منه، فالوعي الخادع بنظراته الاستصغارية للمرأة وغلاظة تعامل بعض الرجال معها لم يساعدها على صيانة النفس من الغواية، فبدلاً من أن تعتمد الفتاة على مرونة ذهنها وسعة ثقافتها وجمال روحها ورقة ابتسامتها نجدها تعتمد على كثرة ملابسها والتصنع في شعرها، وبدلاً من أن توسع آفاق فكرها بالمعرفة والعلم تلهث وراء البهرجات وتثقل نفسها بالجري وراء آخر صرعات الموضة في الملبوسات وألوان الطعوم والمشروبات والتسوق المبالغ فيه.

 
ولكن ما كان مختلفاً في رواية لست امرأة عادية أن بطلة الرواية فريهان رغم تحملها لكل الظروف القاهرة التي أحاطت بها وكل محاولاتها لنيل إعجاب زوجها التي باءت بالفشل وانتهت بالطلاق إلا أنها في آخر الرواية تُظهر الكاتبة القوة الحقيقة للمرأة الكامنة داخل فريهان عندما قررت بتغير حياتها رأسا على عقب. فقد أصبحت امرأة مجتمع متعلمة ومثقفة ونالت الشهرة في مجال الفن التشكيلي وكانت بذلك قد خرجت عن صمتها وضعفها وحاربت وعافرت ظروف حياتها المليئة بالأحداث القاسية ولم تستسلم أبدا ولم ترض بالذل والهوان.

  
وتحدثت الكاتبة في الرواية أن المرأة وحدها باستطاعتها قلب الموازين وعليها بالبحث عن الأنثى الموهوبة الطموحة المتألقة داخل كينونتها وأنه بإمكانها أن تحول نفسها إلى امرأة لا تتكرر بالتاريخ، فعليها أن تزيل مساحيق البؤس وأن تعيد إضافة مساحيق الحياة لوجها إلى تضاهي مساحيق التجميل وأن المرأة بمقدورها أن ترفع سقف خيالها وأن تكن على يقين بأن كل ما تطمح به سيتحول إلى حقيقة بإرادتها وعزيمتها وصمودها وقوتها كما ذكرت الكاتبة في الرواية، أنه على المرأة أن تدرك تماما أننا خلقنا متساوون مع فروق فردية في الذكاء وغيره وهذا لا يعني أن الناجحون وجدوا طريقهم ممهد فقد سلكوه بالفطنة والحكمة.

 

ويذكر أن الكاتبة الفلسطينية آلاء طلال حسونة نشأت وترعرعت في مدينة غزة المحاصرة وأنه صدر لها مؤلفات أخرى وهي أشباه الرجال وشاي من غير سكر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.