شعار قسم مدونات

اللوبي العربي في أمريكا.. صهيونيّ أيضًا!

مدونات - العتيبة
"يجب أن يستمرّ حصار حماس إلى أن تعترف بحقّ "إسرائيل" في الوجود، وتلتزم بالاتفاقات السابقة، ولذلك فقد رفضتُّ الانتخابات التي جرت في 2006، وكانت حماس جزءًا منها".
  
"يجب على مصر أن تحسم أمر تهريب السلاح إلى غزة"
 
"أي اتفاق دائم مع الفلسطينيين يجب أن يحترم هوية "إسرائيل" كدولةٍ يهودية".
   
"القدس ستبقى عاصمةً أبدية وموحدة، لدولة "إسرائيل"".
 

لم تكن هذه الكلمات مقتبسةً من خطبةٍ للرئيس الأمريكي الحاليّ "دونالد ترمب"، ولا من تصريحٍ مثير، لسيدة الكعب العالي الذي ستضربُ به أعداء "إسرائيل"، نيكي هالي، مندوبة "ترمب" في الأمم المتحدة، بل كانت عباراتٍ شديدة الأهمية ألقاها السيد "باراك أوباما" الرئيس الأكثر انفتاحًا واعتدالًا في تاريخ الولايات المتحدة، قبيل خوضه معركة الانتخابات بأشهر قليلة، في خطابٍ ألقاه أمام منظمة "آيباك"، أهمّ منظمات اللوبيّ الصهيوني في أمريكا.

 
أعترفُ أنني كنتُ متعاطفًا مع السيد "أوباما"، تحديدًا في مسعاه ليكون أول رئيس أسود لبلادٍ استعبدت السود واضطهدتهم لعشرات السنين، ولذلك صعقتُ بهذه التصريحات التي كان يركعُ فيها للوبيّ الصهيونيّ، ويقبّل أقدامه، ويسترضيه من خلال تأييده في قضايا يصعبُ مجاراة أحدٍ فيها، مثل تحديد دين لمواطني دولةٍ ما، أو التصريح بعدم الاعتراف بانتخابات ديمقراطية، شهد العالم لها بالنزاهة التامة، أو حسم قضية القدس، التي تعاقبت الإدارات الأمريكية على تأجيلها إلى حين حلّ الصراع باتفاقٍ دائم.
 

كشفت رسائلُ بريد سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة عن صلات وثيقة بلوبيات صهيونية شديدة العداوة للمسلمين، مثل "منظمة الدفاع عن الديمقراطيات"

السؤال الذي سيطر عليّ حينها هو: من هؤلاء الصهاينة ليكون لهم كل هذه السطوة على رئيس البلاد التي تحكم العالم! ولماذا لا يكون لنا نحن العرب مثل هذا النفوذ أو نصفه أو ربعه أو عُشره! لماذا! ولدينا المال الوفير، والبلاد الكثيرة، والأعداد الغفيرة، والمواقع الاستراتيجية! والجاليات الممتدّة في كلّ أصقاع الأرض، لماذا لا نستطيع تنظيم أنفسنا، وتأسيس مجموعات ضغطٍ حقيقية تؤثر على السياسات العالمية.

 
طالما تمنّينا أن يكون للعرب "لوبيّ" قويّ، ينهضُ بقضاياهم العادلة في المحافل الدولية، ويغنيهم بخوض الصراعات السياسية هناك، عن كثيرٍ مما يعانونه جرّاء الانحياز الأمميّ لأعدائهم، وسيطرة "إسرائيل" وغيرها على مواقع اتخاذ القرار العالميّ! ويبدو أنه قد حصل أخيرًا شيء من هذا، وصار للعرب نوعٌ من التأثير في الولايات المتحدة، إذ فتح المحقق الخاص "روبرت مولر" الذي يحقق في قضية التدخل الروسيّ في الانتخابات الأمريكية، تحقيقًا جديدًا في سعي دولة الإمارات العربية لشراء النفوذ السياسيّ بالولايات المتحدة.

 

يبحثُ التحقيق في أنشطة رجل الأعمال الأمريكيّ/اللبنانيّ جورج نادر، مستشار وليّ عهد "أبو ظبي" محمد بن زايد، ويُشتبه في كونه قاد دورًا محتملًا للإمارات في "شراء التأثير السياسي بالولايات المتحدة". إذن.. تحقق الحلم أخيرًا، ويبدو أن العرب نجحوا -بأموالهم- أن يكون لهم نفوذٌ في أروقة السياسة الأمريكية، لكن الفرحة سُرعان ما تتبخر عند الدخول قليلًا في تفاصيل التدخل العربيّ الجديد في صناعة الواقع السياسيّ الأمريكيّ، إذ تكشفُ الصحافة الأمريكية أن التحقيق يدور مع نادر حول دورٍ للإمارات في تمويل حملة "ترمب"!

  

يا للروعة! إنّ التدخل العربيّ المقصود لم يكن لخدمة قضايا العرب أو لمساندة من يقف معهم، بل كان عبارةً عن تمويل حملةٍ انتخابيّة لأشدّ رؤساء أمريكا تصهينًا، وأعظمهم عداءً للعرب والمسلمين!

    

تسريبات العتيبة (الجزيرة)
تسريبات العتيبة (الجزيرة)

   

غير بعيدٍ من هذا تقع رسائلُ بريد سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة، إذ كشفت عن صلات وثيقة بلوبيات صهيونية شديدة العداوة للمسلمين، مثل "منظمة الدفاع عن الديمقراطيات"، كما أظهرت جهود الإمارات الحثيثة في التحريض على جيرانها مثل قطر والكويت، أو على دول إسلامية أخرى مثل تركيا، والتركيز على "الخطر الإيراني"، مع التورّط في شيء من الدفاع عن "إسرائيل"، ومواجهة حركات المقاومة والمقاطعة التي تنشط ضدّها.

 

أخبارٌ أخرى تذكرُ المساعي الأمريكية العربية في إنفاذ "صفقة القرن"، لتصفية القضية الفلسطينية، مرّة وإلى الأبد، تقوم على إنشاء دولةٍ فلسطينية عزلاء في غزة وأراضٍ من سيناء، وتثبيت السيادة الصهيونية على الضفة والقدس، وتوطين اللاجئين الفلسطينيين في دول شتاتهم، وإعفاء "إسرائيل" من أي تنازلٍ يمكن أن تقدمه على طريق "الحل النهائي".

 

على ذات النهج يسيرُ السعوديون من خلال محاولة إنشاء لوبيّ خاصّ بهم، ثمة وجوه إعلامية سعودية يُدفع بها في المحافل الأمريكية في السنوات الأخيرة، لا شُغل لهؤلاء إلا التحريض على دول الجوار، والتحذير من إيران، والدعوة للتطبيع مع الاحتلال الصهيوني! في تناغمٍ كامل مع الخطابين الإماراتيّ و"الإسرائيلي".

  

"سلمان الأنصاري" رئيس مركز العلاقات السعودية الأمريكية  (مواقع التواصل)

 

منذ مدّة نشر "اللوبيّ السعوديّ" في أمريكا شريطًا دعائيًّا تحريضيًّا ضدّ قطر، يتهمها بدعم الإرهاب، المفجع في الشريط أن معظم الصور التي استعملها لإدانة قطر، كانت صورًا للأميرين السابق والحاليّ مع قادةٍ في المقاومة الفلسطينية، بل بلغ بهم الجنون إلى إدراج صور من زيارة الأمير السابق حمد بن خليفة إلى الجامعة الإسلامية بغزة! الصرح العلميّ الأكبر في القطاع، والذي تعرّض للقصف -ظُلمًا وبلطجةً- مرارًا في الحروب الصهيونية المتتالية على القطاع.

 

أورد الشريطُ السعوديّ صور الأمير السابق في الجامعة، كدليل على دعمه للإرهاب، في تبنٍّ كاملٍ لتفاصيل الرواية الصهيونية، وتبرير للعدوان الآثم على الشعب الفلسطينيّ.

 
في تسجيل آخر نشره رئيس مركز العلاقات السعودية الأمريكية "سلمان الأنصاري"، لمقتطفات من مشاركاته في الندوات السياسية والإعلامية في أمريكا، تجده ينتقد الإدارة الأمريكية ورغبتها في إدارة ظهرها للمنطقة، ويتوسل القيادة الأمريكية لتستعيد دورها في التحكم بالشرق الأوسط! الرجل نفسه نشر العام الماضي مقالا في الصحف الغربية، يتغزّل فيه بإسرائيل، ويدعو للتطبيع معها، ويعتبر أمنها من أمن المملكة العربية السعودية! ولا أظنّه أخطأ في هذه الأخيرة!

 

هكذا إذن، يوم صار للعرب لوبيّ مؤثّر، إذا به ينشطُ في التحريض والتخريب، والتآمر على الجيران ودول المنطقة، ويتحالفُ مع الصهاينة والعنصريين وأعداء العرب والمسلمين، ويكثف جهوده للقضاء على القضية الفلسطينية، وخدمة الحكومات الأكثر تطرفًا ويمينية في تاريخ الكيان الصهيونيّ، فهل تحوّل حلم العرب في التأثير الدوليّ كابوسًا بأيدٍ إماراتية وسعودية!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.