شعار قسم مدونات

من المتضرر من وقف الدراما التركية؟

مدونات - مسلسل تركي

قرار محطة تلفزيونية بحجم الـ mbc وقف بث المسلسلات التركية، ربما لن يكون له أثر واضح على مطبخ الدراما التركية أو حتى واقع الإنتاج الفني في دولة باتت منفتحة ومتقدمة ليس فقط دراميا بل إعلاميا وفنيا، ناهيك عن حجم الانفتاح السياحي والاستثماري والاقتصادي.

 
صحيح أنه في إثر قرار المجموعة الإعلامية العربية الواسعة الانتشار نقلت الصحف التركية عن رئيس غرفة تجارة إسطنبول والمسؤول عن ترويج المسلسلات التركية للخارج "أوزتورك أوران" انتقاده قرار الـ mbc بهذا الخصوص، بيد أن السيد أوزتورك بدا غير مكترث حق اكتراث بهذا القرار، خاصة أنه اعتبر أن هذا الإجراء لن يكون له أثر كبير لكون بلده تبيع مسلسلاتها لدول عدة حول العالم وقرار مثل هذا لن يؤثر فيها طالما أنها تحافظ على جودتها، على حد قوله.

 

الدراما العربية عانت ضعفا ملموسا في الحضور إبان صعود نجم الدراما التركية في المنطقة العربية، وفيما تسعى اليوم لإعادة حضورها فإنه قد يستلزمها ذلك سنوات عديدة

لقد بدا من حديث السيد أوزتورك الذي تناقلته صحف بلاده ثقته من حقيقة أن المتلقي "المشاهد" لا يمكن أسره بشاشة صغيرة ولا حتى قناة واحدة، وإشارته كانت واضحة حول وجود فضاء واسع من القنوات التلفزيونية ومنصات الإنترنت، فالواقع أن المشاهد العربي لن يتأثر كما تأثرت المحطة التلفزيونية التي أبرمت عقودا بمئات آلاف الدولارات لأخذ حقوق "دبلجة" وبث هذه المسلسلات.

 

من الملفت من تصريحات السيد أوزتورك، أن بلاده باتت تفكر برابط آخر يبقيها والمشاهد العربي على صلة، فعلى كبر حجم السوق الإعلامية الداخلية لتركيا، فإن الدولة مستعدة على ما يبدو لتأسيس قنوات خاصة بالمشاهد العربي لعرض تلك الدراما التي أوقف بثها. كما أنه من الواضح أن المطبخ الإعلامي التركي لا يفكر بحجم الربح المادي في هذه الفترة، فعنده أن تأسيس قاعدة جماهيرية خارج قطره والتي هي شبه جاهزة الآن أهم من بضعة ملايين من الدولارت يتم صرفها في سبيل ربط المشاهد العربي ربطا جديدا بتركيا.

  
وعلى الجهة المقابلة، يبرز ما هو عكس ذلك من قبل منصة العرض العربية، فها هو المتحدث باسم مجموعة الـ mbc يصرح بأن كلفة إنتاج الحلقة التلفزيونية من المسلسل العربي تصل إلى 100 ألف دولار في حدها الأعلى في حين أن كلفة إعادة إنتاج حلقة "تركية" تتجاوز 250 ألفا، وهذا فارق يحسب غير الفوارق الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية وحتى المناخية بين تركيا والدول العربية، والتي هي بطبيعة الحال تجعل من إنتاج محتوى عربي شبيه إلى حد ما بالمحتوى التركي صعبا وصعبا جدا، فعندما يجري الحديث عن كلفة تتجاوز المائة في المائة من حيث فرق كلفة الإنتاج، فإن ذلك يؤشر إلى فجوة واضحة ربما ستظهر بين كلا لا إنتاجين من حيث جودة ونوعية المخرجات الفنية.

  

كم من عمل تركي أسس لتأريخ درامي لحياة رجالات الإسلام، وكم من عمل عربي بات كمن يحمل عنوانا عريضا صيغ باللاخلاق واللاقيم!
كم من عمل تركي أسس لتأريخ درامي لحياة رجالات الإسلام، وكم من عمل عربي بات كمن يحمل عنوانا عريضا صيغ باللاخلاق واللاقيم!
  

في جميع الأحوال، الدراما العربية عانت ضعفا ملموسا في الحضور إبان صعود نجم الدراما التركية في المنطقة العربية، وفيما تسعى اليوم لإعادة حضورها فإنه قد يستلزمها ذلك سنوات عديدة، أقلها لإعادة ترسيخ مفهوم "المسلسل العربي" بإطاره المبني على الثقافة القيمية البعيدة عن الإسفاف والتصنع. إن أي منافسه في سوق الفن والإعلام يجب أن تكون مكتملة المعايير، ابتداء بتحديد الهدف من الإنتاج، ومرورا بتبني استراتيجيات ناجعة لتحقيق ذلك الهدف، وكذلك تحقيق التوازن بين الواقع والتمثيل، فلا يصح أن يكون العمل الدرامي في القمر والواقع المعاش على الأرض، وانتهاء بالاعتراف بقوة المنافس.

 
المنافس التركي وإن كان هذا الوصف ضعيفا لكونه لا ينتج للعرب أثرى في وقت من الأوقات ولا زال الشاشات العربية، على الأقل، بمحتوى شكل عامل جذب للمعلنين وفئات متعددة من المتابعين.
والمتابعون أذكياء بحيث يستطيعون تفنيد مقولة "الدراما التركية اكتسبت ما اكتسبت بفعل الفراغ العاطفي الذي يعيشه المشاهد العربي، إلى جانب ما تطرحه من انحلال أخلاقي"، فكم من عمل تركي أسس لتأريخ درامي لحياة رجالات الإسلام، وحتى رجالات الحق، وكم من عمل عربي بات كمن يحمل عنوانا عريضا صيغ باللاخلاق واللاقيم، وأنتج باللاحرمة واللاأدب.

 

لكن في النهاية، يبقى التساؤل واردا حول تأثير وقف بث الدراما التركية من قبل بعض القنوات على المشاهد العربي، أو تأثر حضورها هي نفسها في الوقت الذي بات فيه المتابع العربي يرفض كل ما يبعده عن عادات وحضور ولغة أرض "الأحلام" التي لطالما ارتبط بها عاطفيا من خلال الدراما لتي صدرتها إليه، ووجد فيها ما لم يجده في الدراما العربية التي من المفترض أن تمثله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.