في كل مرّة أدخل فيها إلى بيت جارتنا فريدة أحس بأنني في متاهة، جارتنا فريدة ملونة بألوان قوس قزح، كل شيء فيها بلون مختلف، وهي لا تغطي شعرها كأمي وشعرها أحمر ُ فاقع! عمتي لا تغطي شعرها أيضاً ولكن لون شعرها ليس هكذا.. عندما كنت أصغر كنا نعيش في بيت جدتي في القرية وكانت كل النساء يغطين شعورهن، لم أكن أعرف أن هناك نساءً لا يغطين شعورهن، ولهذا عندما رأيت جارتنا فريدة لأول مرّة ظننت بأن الله عاقبها لأنها لا تغطي شعرها بأن جعله بهذا اللون.. ولكن أسماء قالت لي بأن الله جميل يحب الجمال، ثم عندما رأيت شعر عمتي أدركت أن العمة فريدة حالة خاصة!
عمتي طيبة جداً، هي أصغر من أمي، ابنتها دينا تصغُرني بسنة، وهي دائماً تقول لي بأننا أحباب الله، أنا ودينا، أنا أحب الله أيضاً لأنه يحبني.. ولأن أمي قالت لي بأن الله أرسل لنا عمّي بعد موت أبي وإلا كنا فقراء الآن، أمي تقول بأننا يجب أن نحب الله لأنه ربنا الذي خلقنا، وليس فقط لأنه يعطينا أشياء.
ليس شعر جارتنا فريدة وحده هو ما يجعلك تحس بالضياع، كل شيء متعلقٌ بها كذلك… باب بيتها بنفسجي، والحائط من الداخل أخضر، وعليه لوحات من كل الألوان، والمقاعد لستُ متأكداً ما لونها.. لونٌ لا أعرفه، لم ندرسه في المدرسة، وأحمر الشّفاه… لماذا تضعُ أحمر شفاه كهذا؟ أعني.. في المرات النادرة التي رأيت أسماء تضعُ أحمر شفاه فيها كانت تبدو أجمل، ولكن الجارة فريدة تبدو غريبة، لا أذكر أني رأيتها مرّة واحدة بدون أولان على وجهها، زوجها صابر يغيب كثيراً عن البيت، تقول بأنه يذهب في رحلات عمل كثيرة.. لحُسنِ حظّه.
نظرت إليّ وهي تزمّ شفتيها الرفيعتين، حتى قارب فمها على الاختفاء لولا أحمر الشفاه الذي مكنني من تحديد مكانه، ثم أصدرَت صوتاً غريباً ودخلت إلى منزلها وأقفلت الباب بعنف |
طرقتُ الباب..
– أهلاً آدم! أينَ أسماء؟
– أسماء لن تأتي.. تقول بأنها لا تستطيع.
– لماذا؟
– لا أعرف.
– لماذا لا تعرف؟
– لا أعرف.
-نعم فهمت أنك لا تعرف ولكن لماذا لا تعرف؟
– نعم فهمت السؤال ولكنني لا أعرف لماذا لا أعرف! لم تَقُل لي شيئاً.
– هممم.. هل هي مريضة؟
– لا.
هل لديها دروس؟
– أسماء دائماً لديها دروس.
– هممم.. إذاً ما الجديد في الأمر؟
وقفت صامتًا مُحدّقاً..
– ما بك؟
– لا شيء..
– إذاً لماذا لا ترُد؟
– لا أعرف.
– ما هذا الذي في يدك؟
– هذا النعناع من والدتي لكِ.
– هممم..
بقيَت أسماء تنظر إلي وهي مبتسمة ثوانٍ ثمّ ما لبثت أن انفجرت بالضّحك! دموعها أخذت تسيل ووجهها أصبح أحمر.. ظللنا أنا وأمي في حالة من الصدمة.. يوماً بعد آخر أتأكد من أن دماغ أسماء لا بدّ قد تضرر.. |
تناولت العمة فريدة النعناع من يدي وصَمْتت…
– عمّة فريدة؟
– نعم؟
– ألا تعرفين ماذا يجب أن تقولي الآن؟
– ماذا تقصد؟
– قالت لنا المعلمة أنه يجدر بك أن تقولي شكراً..
نظرت إليّ وهي تزمّ شفتيها الرفيعتين، حتى قارب فمها على الاختفاء لولا أحمر الشفاه الذي مكنني من تحديد مكانه، ثم أصدرَت صوتاً غريباً ودخلت إلى منزلها وأقفلت الباب بعنف.. هذا أفضلُ لي.. ولكن لماذا غضبت هكذا.. كان يجدر بها أن تقول شكراً! عندما عدت إلى البيت فُتِح الباب وحده! كانت أسماء واقفة وراء الباب تنتظرني.. دخلتُ وهي تنظر إلي وعلى وجهها ابتسامة..
– ماذا هناك؟ أنا لم أفعل شيئاً..
بقيَت هكذا تنظر إلي وهي مبتسمة ثوانٍ ثمّ ما لبثت أن انفجرت بالضّحك! ليس ضحكاً عادياً، دموعها أخذت تسيل ووجهها أصبح أحمر.. ظللنا أنا وأمي في حالة من الصدمة.. ننظر إليها.. يوماً بعد آخر أتأكد من أن دماغ أسماء لا بدّ قد تضرر..
توقفتْ بعد دقائق وهي تلهث بالكاد تستطيع التنفس، ثم تنحنحت…نظَرتْ إليّ:
– آدم؟
– نعم؟
– أنا فخورةٌ بك!
توجهَتْ إلى غرفتها وبقايا ضحكاتها ما زالت تصلنا أنا وأمي.. هممم.. حولت بصري إلى أمي لأجدها تحدق بي..
– أقسم بأنني لا أعرف!