شعار قسم مدونات

نيمار قبل زيدان

blogs نيمار

مثل أي برازيلي قادم من كوباكبانا، روماريو كان مقبلا على الحياة بطريقة لا تصدق. في يوم ما جاء لي مسرعا، وطلب التغيب عن التدريب لمدة يومين من أجل حضور كرنفال راقص في ريو دي جانيرو. صُدمت وقتها من طلبه غير المتوقع، لكنني استعدت توازني سريعا وبادرته بهجمة مرتدة سريعة، لأخبره بشرطي الوحيد للموافقة، حتى يستطيع الذهاب إلى بلده؛ عليه تسجيل هدفين في المباراة القادمة، وأي نتيجة غير تلك فإن طريقه مسدود.

 

يحكي كرويف عن تلك المحادثة التي دارت بينه وبين الهداف البرازيلي، إبان تواجد الثنائي معا في برشلونة. الغريب أن روماريو سجل وقتها هدفين في أول 20 دقيقة، لم ينتظر لنهاية المباراة ليذهب سريعا تجاه الخط، ليخبر كرويف بانتصاره في الرهان، ودار الحوار كالتالي؛ "أريدك أن تنفذ وعدك وتتركني أسافر، لأن طائرتي بعد ساعة من الآن، لقد حجزت التذكرة قبل المباراة".

 

ربما ما فعله روماريو شيء جديد على يوهان، الحياة في أوروبا تختلف تماما عن نظيرتها في أميركا اللاتينية، شتان بين الهدوء والفوضى في معالم الحياة كافة، وكرة القدم بالتأكيد. ما فعله بطل مونديال 94 يمثل القاعدة لا الاستثناء بالنسبة لأي لاعب برازيلي محترف في ملاعب القارة العجوز، وأعاده بشكل أو بآخر، لكل من رونالدينيو، رونالدو، روبينيو، ونيمار بالتأكيد. لم يكتف أغلى لاعب في التاريخ بهذا السقف، بل تجاوزه حينما تألق بشدة أمام سان جيرمان في ليلة الريمونتادا الشهيرة ليسافر بعدها إلى البرازيل ويغيب عن مواجهة ديبورتيفو المهمة بالليغا، حتى يحضر فقط عيد ميلاد أخته في مسقط رأسه!

 

في باريس لا صوت يعلو فوق صوت نيمار، النجم الأول الذي يسجل الأهداف ويصنعها، يسدد ضربات الجزاء، ويتولى تنفيذ الركلات الحرة والضربات الثابتة
في باريس لا صوت يعلو فوق صوت نيمار، النجم الأول الذي يسجل الأهداف ويصنعها، يسدد ضربات الجزاء، ويتولى تنفيذ الركلات الحرة والضربات الثابتة
 

لم أستغرب حينها تصرف نيمار، تخيلت محادثة شبيهة بينه وبين إنريكي على غرار روماريو وكرويف. يعرف لوتشو طبيعة البرازيليين، يقول عنهم إنهم شعب يعشق الموسيقى والرقص، يُدخل أجواء الصخب إلى غرفة الملابس. ابن خيخون أنسب مدرب ممكن للتعامل معهم، كان يشبههم داخل الملعب من حيث الفوضى والتمرد والتقلب والتلون في بعض الأحيان. لا عجب إذا من كون لويس هو أنجح المدراء الذين فهموا دا سيلفا، نظرا لتشابه الكرة التي يقدمها كمدير فني مع طبيعة نيمار. سر الخلطة معروف للجميع؛ اللعب بحرية دون ضوابط، والهجوم يفعل ما يريد داخل المستطيل، طالما هناك من يحميه بالوسط والدفاع.

 

في باريس لا صوت يعلو فوق صوت نيمار، النجم الأول الذي يسجل الأهداف ويصنعها، يسدد ضربات الجزاء، ويتولى تنفيذ الركلات الحرة والضربات الثابتة. ولا مانع من ظهور قدر من الشطحات التي تسيل لعاب الصحافة، كشجار بينه وبين كافاني، وعدم رضاه عن خطة أوناي إيمري، وأحيانا تسريب بعض الشائعات عن ملله من الدوري الفرنسي، وحاجته إلى مغامرة جديدة تجاه ريال مدريد على سبيل المثال. رغم كل ذلك فإن سان جيرمان يليق به، لأنه أكثر مكان يوفر له الراحة والمال والرفاهية، وبالتأكيد لعب دور الرجل الأول، حتى على حساب الفريق والمدير الفني في بعض الأحيان.

 

وضع إيمري كامل خططه على نيمار، رفقة ثنائيه المساعدين كافاني ومبابي، كما فعل إنريكي من قبل مع ميسي وذراعيه سواريز ونيمار، قبل خروجه من ظل الأرجنتيني ولعبه دور الرجل الأول. 4-3-3 ثابتة لا تتغير، لكنها فردية إلى أقصى درجة، تعتمد على شطر الفريق إلى قسمين؛ واحد يدافع ويركض أثناء التحولات، وآخر يصنع ويسجل ويراوغ بالثلث الأخير. التشابه حاضر وبقوة بين باريس الحالي وبرشلونة السابق، الاختلاف فقط في المنفذين وكيفية توظيف كامل أعضاء الفريق لخدمة المهاجمين.

 

يشرح آدين، مدرب ومحلل تكتيكي في أكاديمية يونيتد الأمريكية، هذا التشابه بطريقة مثالية عندما يتحدث عن كيفية تحول ميسي من الطرف إلى العمق، في حركة قطرية صريحة من الجناح لصانع اللعب، وقيام لاعب الوسط المائل والظهير الأيمن والمهاجم بالحركة، لإضفاء صيغة التوازن إلى اللعب. هكذا فعل راكيتيتش وألفيش وسواريز في زمن سابق. في باريس الوضع فعلا مشابه، لكن مع تغيير طاقم العمل، فنيمار يقوم بدور ميسي في الصناعة والحركة القطرية، بينما توكل مهمة التوازن لزملائه وفي مقدمتهم كافاني.

 

لتوضيح أكبر وأدق، نجح بارسا لوتشو في تحقيق الخماسية، عندما قام ميسي بدور الصناعة سواء من الطرف أو العمق، وتحول نيمار لدور المهاجم الثاني على مقربة من سواريز، لعبة شبيهة بثنائية ليو-ألبا حاليا، مع تغطية راكيتيتش دفاعيا على اليمين، ودخول ألفيش إلى الوسط كلاعب ارتكاز إضافي، فيما أسندت مهمة السيطرة لبوسكيتس وإنييستا. في الحالة الباريسية، يتحول الأغلى سعرا بصورة صريحة من الجناح إلى العمق، في سبيل حصول مبابي على وظيفة المهاجم الإضافي، والتغطية من نصيب رابيو وكورزاوا، أي أن نيمار هو ميسي إنريكي، بينما مبابي أشبه بنيمار 2015.

 

إنني على يقين بأن إقصاء الملكي الإسباني في مبارتين، أمر يحتاج إلى شيء أكبر من المهارة، فهل يحافظ البرازيلي نيمار على الشعرة الفاصلة بين الفردية والجماعية في مثل هذه اللحظات!؟
إنني على يقين بأن إقصاء الملكي الإسباني في مبارتين، أمر يحتاج إلى شيء أكبر من المهارة، فهل يحافظ البرازيلي نيمار على الشعرة الفاصلة بين الفردية والجماعية في مثل هذه اللحظات!؟
 

خط وسط باريس الحالي أكثر حيوية وشبابا من البارسا قديما، لكن علينا ألا ننسى طبيعة قدرات كل لاعب، فالمجموعة الحالية تلعب أكثر على الأرض، وتفضل التمرير والحيازة والبناء كفيراتي ورابيو وموتا، أي أنها بعيدة كل البعد عن الركض وقطع الأمتار. تركيبة ضد العوامل المفضلة للتغطية خلف خط هجوم لا يدافع أبدا، وهذا ما يجعل الفريق معرضا للخداع في المباريات الكبيرة، كما حدث في مباراة ليون بالدوري، وبايرن ميونخ في الشامبيونزليغ، فتش عن التوازن وسره البارع، من أنقذ إنريكي بالبدايات وخسف به الملعب في النهايات.

 

في الأليانز أرينا، انخفضت سيطرة باريس على منطقة الوسط، لانشغال الارتكاز بالتغطية المستمرة خلف الظهيرين. الثلاثي الهجومي لا يعود للخلف، فيراتي يدافع ويهاجم في آن واحد، مما جعل الأمور أصعب على طول الخط. وهذا ما يمكن تكراره أمام ريال مدريد، حتى في ظل الحالة الكارثية الحالية لكتيبة زيدان، الفرنسي المطالب بترك الكرة لخصمه، والوقوف في مناطقه أملا في المرتدات وإتقان لعبة التحولات، مع العلم بأن كل ذلك قد ينسف، في حالة نجاح نيمار بلعب دور البطل لا الظل.

 

الميرنيغي مفتاح نيمار لكل شيء؛ لتقديم نفسه كنجم ناضج يمكنه حمل فريقه بعيدا في الأبطال، وابتعاده عن شبح المقارنة الخاسرة أمام ميسي، ومدى إيمانه بأسس النجومية الحقيقية، التي تضع القرار والذكاء والتوقيت فوق المراوغة والرقص مع الكرة. لا حقيقة مطلقة، لكنني على يقين بأن إقصاء الملكي الإسباني في مبارتين، أمر يحتاج إلى شيء أكبر من المهارة، فهل يحافظ البرازيلي على الشعرة الفاصلة بين الفردية والجماعية في مثل هذه اللحظات!؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.