"اللحظات الأخيرة للدكتور محمد مرسي قبل اعتقاله بلحظات وغباء العسكر.. قبل الانقلاب بساعات قليلة جمع الرئيس محمد مرسي الحرس الجمهوري والحرس الشخصي، ثم طلب منهم جميعا القسم على ألا يطلق أحد منهم رصاصة واحدة على من هم في الطريق لاعتقاله بعد قليل، وطلب منهم عدم المقاومة حتى لا تراق دماء مصري على يد مصري منهم، فقال أحد الحرس حينها: نحن لدينا خطة وثلاثة بدائل لإخراجك، قال: وبعدما أخرج؟ يقتتل الناس من أجل محمد مرسي، لا والله حياتي فداء لدماء المصريين والمعارضين منهم قبل المؤيدين، حسبنا لله وحده، اتقوا الله، لا أريد أن أقابل ربي وعلى يدي دماء أنا جئت لأحكم بين الناس بالعدل لا لأحمي كرسيا زائلا، فقال له أحد الحرس لن يرحموك، رد عليه الرئيس مرسى: يقيني في قدرة الله ولا أستجدي رحمة من مخلوق أبدا".
ما سبق ليس نكتة يتداولها الناس في مصر، وبالطبع ليس نصا من وحي خيال سيناريست محب لجماعة الإخوان، ولكن تدوينة لإعلامي شهير بإحدى فضائيات إسطنبول، ظن بها أنه يمتدح ذكاء مرسي ويسخر من غباء العسكر. لقد ورّط صاحبنا مرسيه من حيث أراد أن يمتدحه، وامتدح العسكر من حيث أراد أن يذمهم، هكذا كنت أظن قبل مشاهدة آلاف الإعجابات التي انهالت على تدوينته، وقراءة عشرات التعليقات المهاجمة لمن تجرأ وسخر من روايته، كلها تقول أن هناك عالما موازيا تماما يحيا أو يُدفن فيه هؤلاء الناس!
تنافس ضيوف شاشات الإخوان على ترويج الوهم لأنصارهم، فأحدهم يزعم اغتيال السيسي وأن ما نراه مجرد دوبلير، وآخر يدّعي أن الملك سلمان لم يكن موافقًا على الانقلاب وكم كان يقول "وهو متهدج" ظلمنا مرسي! |
وبعيدا عن الأسئلة المباشرة التي تتبادر إلى الذهن بمجرد مطالعة رواية صاحبنا، من قبيل: كيف عرف صاحبنا كل هذه التفاصيل السرية التي لم نعهد كشفها إلا على أيدي رجل ذا قدرات خارقة مثل "بكري مان"، لماذا دعا مرسي الناس إلى حماية الشرعية في خطاب 2 يوليو/تموز الشهير وهو نفسه تخلى عنها حقنا للدماء بحسب ادعاء صاحبنا؟، ولماذا صمم الإخوان على الاعتصام في رابعة والنهضة إذا ما كان الرجل الذي يسعون لعودته زاهدا في كل شيء بهذا الشكل؟
ثم إن القتال الذي خشاه مرسي حدث بالفعل، والدماء أريقت بغير حساب، فما معايير الذكاء والغباء هنا؟ ألا يمكن بهذه الرواية توجيه اتهام -أخلاقي وسياسي على الأقل- لمحمد مرسي بأنه سلّم البلد مرتين لعصابة، مرة حينما أتى بمدير مخابرات مبارك وزيرا للدفاع والمرة الثانية حينما تركه ينقلب عليه ومنع مقاومته؟، والسؤال الأهم: إلى أي مدى -وفقا لهذه الرواية- يصبح محمد مرسي شريكا في بركة الدماء التي سالت ولا تزال تسيل منذ الثالث من يوليو/تموز 2013؟
بالطبع، يمكنك إضافة عشرات الأسئلة وعلامات الاستفهام والتعجب والاستنكار، إذا لم تكن ملما بتاريخ أمثال صاحبنا، ممن يتصدرون المشهد السياسي والإعلامي الإخواني، في الترويج للدجل والشعوذة والنصب على العقول البسيطة.
لقد ذكرني صاحبنا بالآهات والتكبيرات التي كان ينتزعها بعض متحدثي منصة رابعة من أنصارهم وهم يذيعون عليهم نبأ انشقاق قيادات من الجيش احتجاجا على عزل مرسي، وأن "جبريل" معهم الآن ليؤازرهم، وأن "يوم الجمعة العصر مرسي راجع القصر"، وأن مطار القاهرة شهد هروب عدد من رجال الأعمال والسياسيين الداعمين للانقلاب خوفا من مظاهراتهم، وأن على الجميع الاستعداد لسقوط الانقلاب؛ لأنه محاصر دوليا ولن يحظى بشرعية.
انتهى كل ذلك، وانتهت رابعة بمذبحة ومجزرة بشعة، واستقر النظام الجديد القديم وحصل على أكثر ما تمناه من جهة الاعتراف الدولي به، فهل تعلم إعلام وقيادات الإخوان شيئا؟ ربما الشيء الوحيد الذي تعلموه من كل ما سبق هو التمادي في الكذب وترديد الخرافات، لم يتخلف إعلام الإخوان عن هذه المهمة المقدسة طيلة أربع سنوات، فخصص حلقات عن المحاكمة الدولية لقيادات الانقلاب والرموز الإعلامية التي حرضت على إراقة الدماء، وأشاعت مواقع الإخوان أن قيادات بالجيش التقت بمرسي في مقر احتجازه وطلبوا منه العفو وعرضت عليه مبادرة التوبة! وتنافس ضيوف شاشات الإخوان على ترويج الوهم لأنصارهم، فأحدهم يزعم اغتيال السيسي وأن ما نراه مجرد دوبلير، وآخر يدعي أن الملك سلمان لم يكن موافقا على الانقلاب وكم كان يقول "وهو متهدج" ظلمنا مرسي!
وإلى الآن، ما زال إعلام الإخوان يبيع الوهم لأنصاره، وينزل بسياطه على ممن لا يعترفون بهذه الهلاوس، ويصفهم بأنهم خونة للشرعية والشهداء والدم…..الخ. ولو أن هناك عاقلا حقيقيا وسط هذا العالم الموازي لتوقف لحظة وبادر بسؤال نفسه: هل عاد مرسي يوم الجمعة العصر؟ هل ما زال الملك سلمان "يتهدج" من فرط ظلم مرسي؟ هل ما زال الدوبلير يجسد شخصية السيسي بعد أن تم اغتياله؟ هل لا زال العالم يستعد لمحاكمة السيسي؟ والأهم: هل لازال الانقلاب يترنح؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.