من المؤكد أن الخطاب الإعلامي الناجح والفعال يتم من خلال محددات عامة ترسمها جهات عليا ومتخصصة، ومما لا شك فيه أن دولة الكيان الصهيوني تمارس اللعبة الإعلامية بشكل جيد لتشكيل الرأي العام الذي يصب في مصلحتهم، وذلك من خلال رسم محددات عامة للناطقين الإعلاميين وقادة الاحتلال والأحزاب بحيث تأتي الأخبار والتقارير والتصريحات في إطار هذه المحددات.
المتابع للشأن الصهيوني قد يغفل عن هذه القضية إذا ما تعامل مع التصريحات المختلفة أنها تعبير عن وجهات نظر شخصية أو حزبية، في حين أن ذلك يكون غالبا في إطار تمرير هذه الأخبار وتحويلها لرأي عام. قد يكون هناك بعض التصريحات غير المنضبطة بالسياسة العامة، لكنّ جُل هذه التصريحات والأخبار هي وفق ما يتم تحديده من السياسة العامة.
في الآونة الأخيرة زاد بشكل ملحوظ تداول الأخبار والتصريحات الصهيونية في مختلف وسائل الإعلام، وتمّ اقتحام وسائل الإعلام العربية والفلسطينية بشكل كبير جدا لدرجة إفراد أوقات مخصصة في وسائلنا الإعلامية لنقل هذه الأخبار للشارع الفلسطيني بالتحديد! ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، ورغبة الأغلبية ممن ينتمون لهذه الوسائل في نقل الأخبار وتداولها كما هي، فإن هذه الأخبار تصل إلى أكبر عدد ممكن من المتابعين، وتنتشر انتشارا واسعا، مما يساهم في تشكيل الرأي العام حسب التوجهات الصهيونية!
من خلال متابعة سريعة للأخبار الصهيونية المتداولة خلال الأشهر القليلة الماضية، وبعد إخضاع هذه الأخبار للدراسة، تمّ تحديد مجموعة كبيرة من المحددات والخطوط العريضة الإعلامية التي ركز عليها الخطاب الصهيوني، وساهمت إلى حد كبير في التلاعب بالرأي العام الفلسطيني نذكر منها ما يلي:
الغرض من هذه السياسة إحباط الشارع الفلسطيني والعربي والإسلامي بأنه لا فائدة من محاور المقاومة ولا فائدة من النضال الشعبي ضد الكيان طالما أن الحكومات هي الآمر الناهي، وتظهر هذه السياسة جلية في تصريحات مختلفة؛ منها العلاقة ما بين الكيان والسعودية ومصر والأردن وبعض دول الخليج أو غيرها من الدول العربية.
الغرض منها إظهار التقدم التكنولوجي في الصناعات الصهيونية لإرباك خطط المقاومة في التجهيز والإعداد، ولإيصال رسالة أن الإعداد التقليدي سيجابه بالتكنولوجيا المتطورة، كما تساهم هذه السياسة في إحباط الشارع الفلسطيني بشكل عام، وظهرت هذه السياسة من خلال مجموعة من التصريحات والتقارير المرئية التي تحدثت عن روبوتات تستخدم لمحاربة الأنفاق أو مجسات في الجدار تكشف عمليات الحفر في باطن الأرض، وغيرها، على الرغم أنه من المؤكد أن كل ما قيل كاذب أو تمّ تضخميه!
والرسالة المطلوب إيصالها -هنا- للمقاومة أن الجيش جاهز لأي اقتحام قد يكون لمستوطنات غلاف غزة في أي حرب قادمة، مما سيؤدي إلى إرباك المقاومة، ورسالة أخرى للمواطن الفلسطيني لإحباطه، وظهر ذلك جليا من خلال تناقل أخبار وتقارير حول تدريبات الجيش المتكررة والمناورات التي يقوم بها بين الحين والآخر سواء في غلاف غزة، أو غيرها!!
وهنا ستصل عدة رسائل أهمها -دوليا أمام العالم- أن حركة حماس هي المسؤولة عن خرق التهدئة من خلال تضخيم كل حدث في غزة وحتى الضفة، وأن المقاومة هي من يبدأ المعركة وأن الجيش يرد على الخروقات فقط، وأن الكيان غير معني بالتصعيد، ومحليا أمام المواطن الفلسطيني أن الصهاينة لا يريدون حربا تؤثر على مصلحة المواطن الفلسطيني وتضر باحتياجاته الأساسية.
كثرت الأخبار والتقارير التي تظهر أن سكان غلاف غزة يعيشون وضعا استثنائيا في الملاجئ، أو أنه تمّ تعطيل الدراسة أو تعطيل عمل المزارعين على الحدود، كل ذلك بهدف إظهار هذه المنطقة بأنها مدينة أشباح وأن سكانها يعيشون حياة مريرة تحت القصف، والغرض من هذه الأخبار إرسال رسائل دولية، ووضع ذرائع أمام العالم لقصف غزة.
أخبار كثيرة في هذا الموضوع، أبرزها أخبار الجدار الذي شارف على الانتهاء، وأنه سيحد من خطورة الأنفاق بل سيقضي عليها، كل ذلك كان بهدف طمأنة الجبهة الداخلية وعدم انهيارها في منطقة غلاف غزة، وخلق حالة من عدم الاطمئنان للجبهة الداخلية الفلسطينية إلى جهود واستعدادات المقاومة لأي خطر قادم، في ظل قناعة المواطن أن هذه الأنفاق وخاصة الهجومية هي السلاح الأبرز الذي آلم الجيش الصهيوني!
تساهم منصات الإعلام الصهيونية المختلفة وخاصة التي تعمل باللغة العربية على نشر الدعاية الصهيونية للشارع الفلسطيني والعربي، حيث كشفت دراسة بحثية مصرية تحدثت عن سمات الدعاية الصهيونية، وكيف أنها تهدف إلى تحسين صورة الكيان الصهيوني والدفاع عن مصالحه الاقتصادية واللغوية والثقافية، وأوضحت الدراسة أن الحكومة الصهيونية تطور أدواتها الدبلوماسية الرقمية في سياق المتغيرات التكنولوجية، وكذلك تعمل على استهداف الوحدة العربية وإشاعة عدم الثقة بين الشعب وحكومته وبين الشعب والقادة والجنود، كما أكدت الدراسة أن المضمون الدعائي الموجه إلى العرب عبر الأخبار المنشورة باللغة العربية أو عبر صفحات الفيسبوك التي تبثها إسرائيل باللغة العربية يتم التركيز فيها على الموقف الصهيوني الداعي للسلام في مقابل موقف عربي رافض للسلام؛ في الوقت الذى لا يستطيع فيه العرب خوض حرب مع إسرائيل بهدف غزو الإرادة العربية والعقل العربي لإضعاف روح المقاومة.
وأوضحت الدراسة ضرورة العمل على دراسة الدعاية الصهيونية دراسة متعمقة من جميع الجوانب؛ نظرا لما تشكله تلك الدعاية من خطورة بالغة على المجتمع العربي، وضرورة عمل خطة إستراتيجية لمواجهة الآلة الدعائية الصهيونية التي تستهدف الجمهور العربي من خلال التطوير العلمي والتكنولوجي واستحداث وسائل تكنولوجية حديثة تساهم في دعم خطة دعائية عربية موجهة داخليا وخارجيا مبينة على أسس علمية.
لهذا ومن منطلق المسؤولية الوطنية فإنه يتوجب على وسائلنا الإعلامية المختلفة أن تتعامل مع الأخبار الصهيونية بحذر شديد، وعدم تناقلها بالشكل العشوائي الذي يحدث الآن، كما أدعو رواد مواقع التواصل الاجتماعي لعدم تناقل أو إعادة نشر للأخبار أو التقارير، وعدم الاشتراك في الصفحات الصهيونية المختلفة خاصة التي تنشر محتواها باللغة العربية، لأنها مليئة بالسموم، وعلى المختصين وذوي العلاقة بالشأن الصهيوني أن يعملوا على تحليل هذه الأخبار وتوضيح مآربها للمواطن الفلسطيني أولا بأول. كما أدعو لصياغة إستراتيجية إعلامية متطورة لاختراق الإعلام الصهيوني وتشكيل رأي عام داخل الكيان، تساهم في خلخلة جبهته الداخلية مبنية على أسس علمية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.