جاء في كتاب عجائب البلدان.. أن "الغوطة هي الكورة التي قصبتها دمشق، وهى كثيرة المياه نضرة الأشجار متجاوبة الأطيار مؤنقة الأزهار ملتفة الأغصان خضرة الجنان.. استدارتها ثمانية عشر ميلا كلها بساتين وقصور، تحيط بها جبال عالية من جميع جهاتها، ومياها خارجة من تلك الجبال وتمتد في الغوطة عدة أنهار وهي أنزه بقاع الأرض وأحسنها"، وهى إحدى جنات الدنيا، والغوطة عبارة عن غابة من الأشجار المثمرة البساتين وكان القدماء يعدونها من عجائب الدنيا.
أما الغوطة اليوم فهي مدينة الموت التي يفقد بها كل يوم عشرات أو مئات المدنيين أرواحهم بسبب قصف قوات الأسد وداعميه لها بمختلف أنواع الأسلحة والطيران الحربي، تشتهر غوطة دمشق بخصوبة الأرض وجودة المياه؛ حيث تغذي بساتين الغوطة مجموعة من الأنهار الصغيرة من فروع نهر بردى، أهل الغوطة اليوم يعيشون بدون مياه صالحة للشرب، أما بساتينها فأصبحت ترتوي من دماء المدنيين.
الغوطة عبارة عن بساتين من شتى أنواع أشجار الفاكهة، وبساط أخضر تمتد فيه كل أنواع الخضروات، ومن أشهر فواكه وثمار الغوطة: المشمش بأنواعه؛ البلدي والحموي، والتوت (التوت الشامي) والخوخ والدراق والكرز والجوز، وكذلك تشتهر بزراعة كافة أنواع الخضار والذرة الشامية الشهيرة والزهور، وربيع الغوطة له رونقه وجماله المميز؛ حيث الربيع بكل معانيه، وكان أهل الغوطة يصدرون الفواكه والخضار إلى أقصى بقاع الأرض، أما اليوم ينام أهلها دون طعام لأنهم خرجوا ضد نظام الأسد، لأنهم صرخوا في وجه جلادهم وقالوا كفى للقاتل.
معظم أهالي الغوطة يعانون اليوم من مشاكل صحية بسبب قلة التغذية وقلة الطعام، وفقد عدد من الأطفال حياتهم فيها نتيجة سوء التغذية، أما قصورها فأصبحت أثرا بعد عين نتيجة القصف الممنهج طيلة الخمسة أعوام الماضية، ويسكن أهلها اليوم في أنفاق تحت الأرض حفروها بأنفسهم علها تحميهم من قصف المدافع وصواريخ الطائرات، تلك الأنفاق التي تفتقد لأبسط مقومات الحياة يعتبرونها طريقهم الوحيد إلى هذه الحياة.
ذكر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في تقرير له في نوفمبر/تشرين الثاني 2017؛ أن سكان الغوطة يعانون من نقص شديد في الغذاء لدرجة أنهم يأكلون القمامة ويفقدون الوعي بسبب الجوع ويجبرون أطفالهم على التناوب على تناول الطعام، ولم يذكر برنامج الأغذية أن سبب ذلك هو حصار الأسد وجيشه للغوطة محاولا منع الهواء من أن يصلها لو استطاع انتقاما من أهلها. الغوطة مدينة الخيرات والأشجار حاول نظام الأسد أن يخنقها بكل الطرق من حصار وتجويع وقصف وقتل، وخنقها بكل ما تحمل هذه الكلمة من معاني؛ بقصفها بالصواريخ التي تحمل سلاحا كيماويا عام 2013؛ مما أدى إلى مقتل ما يزيد عن 1600 إنسان دفنوا في مقابر جماعية داخلها، ناهيكم عن الأعداد الكبيرة للمصابين.
أما ربيعها اليوم فهو غريب عنها لم يعرفها ولن تعرفه، وزهوره تنبت وتشرب من دماء أبنائها وجميعها تحمل لون الدماء المتناثرة في بساتين الغوطة وطرقاتها، أما جماله فلا يمكن أن يظهر اليوم في ظل القصف والدمار، الربيع القادم هذا العام للغوطة تفوح منه رائحة الموت والقتل، وبدل أن يزرع أهل الغوطة في هذه الأيام بساتينهم بالخضار والفواكة؛ سيزرعونها بجثث النساء والأطفال والشباب علها تزهر غدا نصرا لهم على قاتلهم، وناهيكم عنما ذكر في كتب التاريخ عن عظمة الغوطة ومكانتها والتقارير الطويلة التي تصف جمالها ومكانها؛ فقد قال في وصفها خير البشر كلمات قليلة تغني عن الكتب الطويلة: "عن أبي الدرداء أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) قال فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة إلى جانب مدينة يقال لها دمشق من خير مدائن الشام.
فهنيا لمن عاش وكبر وقتل فيها، اليوم فسطاط المسلمين تقتل وتخنق وتدمر سعيا من الأسد وداعميه لكي يحتلوها، وأهلها باقون على الحق يرفضون أن يرحلوا عنها أو أن يسلموها ما بقوا على هذه الحياة، هذه تفاصيل قليلة عن الغوطة لمن لا يعرفها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.