ذات يوم قبل الثورة السورية، زار أحد المعارضين السوريين واشنطن والتقى بالعديد من القيادات السياسية والأمنية طالبا منها مساعدة الشعب السوري والمعارضة في تحقيق الديمقراطية في سوريا وإنهاء نظام البطش والقتل هناك، فسأله أحد المسؤولين الأمريكيين: "وماذا يمكن أن تقدموا لنا إذا ساعدناكم في سوريا"، فقال المعارض: "نحن ليس لدينا شيء نقدمه لكم، لكننا طامعون بكرمكم كونكم الديمقراطية الأولى في العالم"، فرد المسؤول الأمريكي بسخرية فاقعة: "هل تعلم أن النظام في دمشق مستعد أن يعطينا أكثر مما نطلب منه أضعافا مضاعفة، فإذا طلبنا منه مثلا أن يحقق لنا أربعين بالمائة من طلب ما، فنتفاجأ في اليوم التالي أنه حقق لنا مائة وأربعين بالمائة، فكيف تريد منا أن نساعدكم ببلاش؟"
كم أنتم مغفلون، تقدمون خدمة جليلة للنظام ليتهمكم بالعمالة لتل أبيب، وتجعلونه يبدو وطنيا، بينما هو في الواقع ذخر استراتيجي لإسرائيل، أما أنتم مجرد ألاعيب صغيرة في أيدي الإسرائيليين، لا يمكن أن تفضلكم إسرائيل على النظام مهما تقربتم منها |
من السخف الشديد أن تطلب من الكفيل الغربي أن يعاقب الوكيل العربي العميل. كيف تطلب من الغرب أن يساعدك على القضاء على وكلائه وأدواته ومرتزقته وكلاب صيده في بلادنا؟ وهل وصل هؤلاء الطغاة الذين ينهبون بلادنا ويسومون شعوبنا سوء العذاب إلى السلطة بأنفسهم، أم إنهم وصلوا بدعم غربي وأمريكي لا يخفى على أحد؟ وهل يمكن لأمريكا وإسرائيل أن ترضيا عن نظام لا يحقق لهما ما تريدان؟ ألم نر ماذا فعلت أمريكا بأي زعيم لا ينصاع لإملاءاتها؟ ألم تروا ماذا فعلوا بصدام حسين لأنه حاد عن الخط المرسوم له؟ ألم يكن إعدام صدام درسا لكل الوكلاء العرب بأن لا يفكروا أبدا في التمرد على سيدهم الأمريكي؟ وكما ترون فإن العقاب الغربي لعملائه العرب ليس واحدا، فإذا كان التمرد قويا، فلا يكتفي السيد الأمريكي إلا بإعدام المتمرد كما فعلوا بصدام، وإذا كان التمرد بسيطا، فيمكن أن لا يعدموا المتمرد، لكنهم يؤدبونه بطريقة بشعة، مع الاحتفاظ به في السلطة طبعا، لأنه يبقى كلبهم في نهاية النهار، حتى لو لعب بذيله قليلا؛ النظام السوري مثالا.
باختصار شديد، دعونا نكون واقعيين، فتغيير الأوضاع في بلادنا والانتقال من عهد إلى عهد ليس بيد الشعوب، حتى لو ثارت وقدمت ملايين الشهداء، وتشردت بالملايين، وخسرت أوطانها، كما هو الحال في سوريا وبقية البلدان التي ثارت على طغاتها. هل قدم شعب تضحيات كما قدم السوريون؟ لا أعتقد، مع ذلك لم يحققوا أهدافهم، لأن السيد الأمريكي لم يسمح لهم بتغيير النظام الذي سلطه الغرب على السوريين، وكذلك الأمر في بقية البلدان. الكارثة السورية كانت درسا لكل الشعوب التي تفكر بتغيير حكامها وأنظمتها رغما عن الغرب.
كم تشعر برغبة شديدة بالضحك عندما ترى بعض المعارضين السوريين يتقاطرون على إسرائيل كي يغيضوا النظام السوري. لقد قلناها مرات ومرات ونكررها: على المعارضين السوريين الذين يتقربون من إسرائيل نكاية بالنظام أن يعلموا أن النظام يبقى أقرب إلى قلب إسرائيل ومصالحها منكم بمئات المرات. كم أنتم مغفلون. تقدمون خدمة جليلة للنظام ليتهمكم بالعمالة لتل أبيب، وتجعلونه يبدو وطنيا، بينما هو في الواقع ذخر استراتيجي لإسرائيل، أما أنتم مجرد ألاعيب صغيرة في أيدي الإسرائيليين، لا يمكن أن تفضلكم إسرائيل على النظام مهما تقربتم منها. فقط انظروا ماذا فعل الأسد بسوريا خدمة لإسرائيل.
هل يخشى الغرب من الإسلام الوحشي المتطرف الذي تمثله داعش وأخواتها المارقة فعلا؟ لو كان يخشاها، ويريد القضاء عليها لسمح لشعوب المنطقة أن تخرج من تحت ربقة الاستبداد والديكتاتورية والطغيان الذي يغذي داعش ومثيلاتها ليل نهار، ولما دعم الطغاة الذين يحكموننا ويتسببون في ظهور هذه التنظيمات الإرهابية الوحشية. لكن يبدو أن الغرب يستثمر في الديكتاتورية والتطرف لاستنزاف هذه المنطقة وإبقائها تحت التخلف والخراب؟
باختصار شديد: لا تستنجدوا بصاحب المزرعة على كلاب حراسته. لا أحد يربي كلبا كي يقتله.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.