غريبة كرة القدم، لعب برشلونة مباراة استثنائية في 2012، فريق بيب الأسطوري تفنن في إضاعة الفرص السهلة، ليتحول ستامفورد بريدج إلى عقدة حقيقية، ويخطف الفيل الإيفواري هدفا عكس سير اللعب، ليفوز تشيلسي ويصعد فيما بعد من كامب نو، في واحدة من أكبر مفاجآت اللعبة. تدور الأيام ويتقابل الفريقان من جديد، لكن هذه المرة البارسا لا يؤدي بشكل جيد، يتأخر بهدف ويظن المعلق بأن كل شيء انتهى، ليرد إنييستا وميسي في النهاية، وتخرج كتيبة فالفيردي بتعادل مهم، ربما يستحق أن يمتزج بطعم الفوز.
أغلق كونتي مفاتيح لعب برشلونة جيدا، وضع ثلاثيا صريحا بالخلف، لخلق مدافع إضافي أثناء التحولات، ولعب الإسباني أزبليكويتا هذا الدور بنجاح. كلما استلم إنييستا الكرة، ينطلق المدافع الثالث لغلق زوايا التمرير أمامه، وفي حال لعب بينية من ميسي وانطلاق ألبا خلف الظهير المقابل، فإن قائد الزرق يكون في الموعد، بالتحديد على حافة منطقة الجزاء، فيما يعرف تكتيكيا بأنصاف المسافات. هذا على مستوى الدفاع، بينما في الهجوم جاء الحل بالمرتدات، بعد قرار اللعب من دون مهاجم صريح، واستخدام ثلاثي سريع وقوي في الركض والتحولات: هازارد وويليان وبيدرو.
راهن فالفيردي على خطته المفضلة 4-4-2 دون تغيير، بعد استخدامها في عدة مباريات سابقة، خصوصا عند إصابة ديمبلي وابتعاده بداية الموسم، وتألق باولينيو في التهديف وهز الشباك. فعلها أمام ريال مدريد بالكلاسيكو، ليلعب البرازيلي دورا محوريا بالصعود تجاه منطقة الجزاء، واستغلال تمريرات ميسي البينية رفقة سواريز. من دون الكرة، يعود قليلا لليمين حتى يغلق قناة الاتصال بين مارسيلو وكروس، ويجعل راكيتيتش مائلا للعمق بجوار بوسكيتس. لقد نجحت الخطة وحقق الكتلان انتصارات مدوية، لكن فيما بعد يبدو أن السحر انقلب على الساحر!
يجب أن يضع الطاقم الفني الكاتلوني فكرة تواجد جناح أيمن في ذاكرته، حتى وإن بقى هذا الحل في فترة الطوارئ فقط |
انخفض مستوى باولينيو على نحو كارثي، ربما عرف الخصوم خطورته، فأصبحوا يهتمون بإيقافه. لم يعد البرازيلي ذلك اللهو الخفي الذي ينطلق في وبين الخطوط دون رقيب، تشيلسي أيضا يختلف بعض الشيء عن ريال مدريد، فالفريق اللندني يدافع بشكل أفضل، ويعرف مدربه كيف يركن الباص عند الحاجة، لذلك قلت الفراغات كثيرا على الأطراف، وكان لزاما على باولينيو أن يبتكر، يراوغ أو يمرر أو يصنع الفراغ لغيره، وهذا ما لا يعرفه اللاتيني على طول الخط، ليحافظ على سجله السيئ بالمباريات الأخيرة، ويجعل فريقه يلعب وكأنه منقوص.
ما زاد الطين بلة توظيف فالفيردي للاعبه، فهو أفضل كرقم 10 حر، لكن عندما تضعه على الجناح، فإن الأمر كان غريبا؛ لضعفه في الاستلام والتسليم تحت ضغط، وإغلاقه الطرق كافة أمام روبرتو، مع انعدام خيارات التمرير بالنسبة لميسي، لأن كل زملائه باستثناء سواريز خلفه لا أمامه. ومع ميل تشيلسي إلى الارتداد وعدم اللجوء إلى الضغط العالي، فإن البارسا افتقد بوضوح للتواجد بين الخطوط، ليظهر هجومه في صورة الحمل الوديع أمام دفاعات كونتي.
اعتمد إرنستو على خطته لعدم وجود خيارات كثيرة، ونتيجة تجرؤ معظم المنافسين على برشلونة بمحاولة قطع الكرة في نصف ملعبها، كان لا بد من تواجد رباعي بالمنتصف، لكن مع انخفاض مستوى باولينيو، وتدهور حال راكيتيتش بين العمق والطرف، حان وقت العودة مرة أخرى إلى الحدود القديمة؛ إلى رسم 4-3-3، بتواجد جناح صريح على الخط يمينا، وميل سواريز بعض الشيء تجاه اليسار، مع فتح الطريق أمام ميسي في عمق الهجوم.
فعلها الفريق هذا الموسم أمام يوفنتوس في كامب نو، حينما حصل ديمبلي على مركز الجناح الأيمن، وشغل لويزيتو دور المهاجم المائل للطرف، مع ثبات راكيتيتش في العمق بجوار بوسكيتس وإنييستا، لعدم الحاجة إلى ذهابه يمينا، نتيجة تواجد ظهير وجناح في هذا الجانب، مما جعل برشلونة أكثر توازنا، سواء بالكرة أو من دونها، بالإضافة لوفرة زوايا التمرير أمام حامل الكرة في منتصف الملعب.
أثبتت قمة الشامبيونزليغ الأخيرة أن فالفيردي يحتاج إلى خطة بديلة، ليس بالضرورة البدأ بديمبلي أساسيا، لأنه لم يسترجع بعد لياقته البدنية والذهنية. من التسرع أيضا الرهان على رسم جديد بين ليلة وضحاها، القصد أن يضع الطاقم الفني الكاتلوني فكرة تواجد جناح أيمن في ذاكرته، حتى وإن بقى هذا الحل في فترة الطوارئ فقط، كما حدث بالشوط الثاني أمام تشيلسي، لحظة دخول فيدال مكان باولينيو، وحصول برشلونة على الثقة المطلوبة، حتى نجاحه في التسجيل والعودة في النتيجة.
عثمان هو الحل، حتى وإن شارك كبديل في المباريات القوية، يدخل بالدقائق الأخيرة، يستخدم سرعته ومهارته في موقف 1 ضد 1، يفتح الطريق أمام ميسي، ويسحب الدفاعات المتكتلة ناحية الطرف، حتى يتفوق برشلونة في العمق. وإذا كان باولينيو هو المنقذ في الدور الأول، فإن ديمبوز يستحق أن يكون الجواب بفترات الحسم، لكن شريطة هجر مقاعد الحرافيش، بالشخصية القوية ونسيان هواجس الخوف والقلق، التي أبعدته طويلا عن ملاعب الفتوات!
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.