وَحينَ يصلُ الناسُ لحدِّ الاختيارِ بينَ الموتِ في سكون وهدوء وضمنَ مخططات دَنيئة تهدِفُ لإبادتِهم والنٍَّيلِ من حُقوقِهم، وبينَ الموتِ بعزة وشرف مُدافعينَ عن ذَواتِهم وأرضِهم بما يَملِكونَ من قوَّةِ الحَقِّ والإيمانِ؛ فإنَّهُ يَحينُ وقتُ بركانِ الشُّعوبِ الثائِرِ الذي يَكسِرُ كلَّ حَواجزِ الخوفِ والاضطِرابِ لِيَضعَ العالم أمامَ خيارَينِ لا ثالِثَ لهما؛ إمَّا العيشُ بِحريَّة وكَرامة وإمَّا الموتُ بِعزة وَشرف، إمَّا الحُصولُ على كلِّ الحقوقِ أو لِيَعيشَ العالَمُ بِأسرِهِ عَصرا مِنَ التَّمرُّدِ والفوضى واللاأَمن.
عَدالةُ القَضية
لَقَد حَانَ وَقتُ مَسيرَةِ العودَةِ الكُبرى، المَسيرَةُ التي سَيُجَسِّدُ الفِلسطِينيونَ فِيهَا أَعظَمَ حَالةٍ مِنَ النِّضالِ الشَّعبيّ السلميّ، الْمَسيرَةُ التي سَيُعلِنونَ فيها لِلعالَمِ أَجمَع أَنَّه قَد حانَ وَقتُ اسْتِرجاعِ الحُقوقِ المَسلوبَة
إنَّ من أتفَهِ الأُمورِ أن يُناقِشَ المرء في هذا الوقتِ عَدالةَ قَضية كالقضيةِ الفلسطينيةِ التي يَعترِفُ العالمُ الحرُّ بِأسرِهِ بِأنَّها أعدَلُ قَضيةٍ في التاريخِ البشريّ. إنَّما الأمرُ يَكمُنُ في التَّذكيرِ بِأرضيَّة قانونيَّة تَكَفَّلَ بها المُجتمعُ الدَّوليُّ من خِلالِ إِعطاءِ الشَّعبِ الفلسطيني قَراراتٍ تَنصُّ على أَحقيَّتِهِ في الْعَودةِ إلى ديارِهِ التي هُجِّرَ مِنها قَسرا متمثلا في القرار 194 وغَيرِهِ من القَراراتِ التي كَفِلت حُقوقَ الشَّعبِ الفِلسطينيّ، وتبيانا بأنَّ هذه القراراتِ بقيَت حتى هذه اللَّحظةِ حِبرا على ورق بالنسبةِ للمجتَمَعِ الدَّوليّ، لكنِّها لَم ولَن تَبقى كَذلِكَ بالنِّسبةِ للشَّعبِ الفلسطينيّ الذي يريدُ انتزاعَ حُقوقه بِقوَّةِ الحَقِّ والقانون.
مسيرة العودة الكبرى
إنَّ ألوانَ المُعاناةِ وصُنوفها التي فُرضَت على الشَّعبِ الفِلسطينيّ لَم ولَن تَجْعَلهُ يَستَسلِمُ في أيِّ وَقت وتَحْتَ أيِّ ظَرف، وفي كُلِّ لَحظَة يَستطيعُ الشَّعبُ الفلسطينيُّ أنْ يُبدِعَ في نِضَالِهِ بِأشْكال وأدوات عِدَّة، وفي كُلِّ مُؤامرة تُحاكُ ضِدَّ هذا الشَّعبِ العَظيمِ يَخرُجُ بِأسلوبٍ جَديدٍ لِيُقارِعَ بِهِ عُدوانَ المُحتَلِّ الظَّالِمِ وأَعوانِه.
لقَد نَاضَلَ الشَّعبُ الفِلسطينيُّ شَعبيا وسِياسيا وعَسْكَريا وقَانونيا وغيرِ ذلكَ من أَشكالِ المُقاوَمةِ التي شَرعتها كل القوانِينِ الدُّوليَّةِ في هذا العَالَم، وبالرغمِ من عَدالةِ هذه القضيَّةِ وهذا النِّضالِ إلا أنَّ المَنظُومَةَ الدُّوليَّةَ لمْ تَستَطِع أنْ تُنجِزَ أَيَّاً مِنَ الوُعودِ والقَراراتِ التي أَصدَرتْها، ولَمْ يَحْظَ الشَّعبُ الفلسطينيُّ بكاملِ حُقوقِهِ إلى هذهِ اللحظة.
لكن وَبعْدَ 70 عَاما مِنَ الظُّلمِ والقهْرِ والتَّشتُّتِ وضَياعِ الحُقوقِ بَيْنَ قَراراتٍ لمْ تُطبَّق وتَآمُرٍ يُسانِدُ المحتلَّ الظالم أو سُكوت وإعراض عنْ حُقوقِ هذا الشَّعبِ الأبيّ، فقَدْ حانَ وَقْتُ مَرحَلةِ ذروةِ البُركانِ لِقذفِ حِممهِ في وَجهِ الظلمِ والاستبداد، لقَدْ آنَ الأَوانُ لأنْ يَنْتَفِضَ الشَّعبُ الفلسطينيُّ في كَافَّةِ أماكنِ تَواجُدهِ مُعلِنا قَرارَهُ الذي لا رَجعَةَ فيهِ؛ قَرارُ الْعَوْدَة، العَودةُ إلى الدِّيارِ التي هُجِّرَ منها الفِلسطينيُّ وسَلبَها المُحتلُّ مِنه، العَودةُ حَيثُ الدِّيارُ التي وُلِدَ فيها الأَجدادُ وعَاشوا وتَرعرَعوا، العَودَةُ إلى الدِّيارِ التي يَحلُمُ الفِلسطينيُّ بِها في نَومِهِ ويَقظَتِه، العَودَةُ إلى الدِّيارِ التي لَمْ يَنسَها فِلسطيني يَوما أو سَاعة أو حتَّى لَحظَة.
لَقَد حَانَ وَقتُ مَسيرَةِ العودَةِ الكُبرى، الْمَسيرَةُ التي سَيُجَسِّدُ الفِلسطِينيونَ فِيهَا أَعظَمَ حَالة مِنَ النِّضالِ الشَّعبيّ السلميّ، الْمَسيرَةُ التي سَيُعلِنونَ فيها لِلعالَمِ أَجمَع أَنَّه قَد حانَ وَقتُ اسْتِرجاعِ الحُقوقِ المَسلوبَة، المَسيرَةُ التي سَيَشهَدُ فِيها العَالَمُ بِأسرِهِ قُدرَةَ الشَّعبِ الفِلسطينيّ على استِرجَاعِ حُقوقِهِ وأَرضِه، المَسيرَةُ التي سَيُطالِبُ الفِلسطينيونَ مِنْ خِلالِها بِأَن يَقِفَ كُلُّ حُر فِي هَذا الكَونِ لِمُناصَرَتِهم فِي نَيلِ حُقوقِهم، المَسيرَةُ التي سَيَعرِفُ فيها العَالَمُ مَن هُوَ الْمُتجبِّر الظَّالِم وَمَن هُوَ الضحيَّة والمَظلُوم، المَسِيرَةُ التي سَيَرى فِيها كُلُّ أَحْرارِ العَالَمِ مَنْ يَزْرَعُ السَّلامَ وَمَنْ يَغْرِسُ القَتلَ والدَّمار، المَسِيرَةُ التي سَتَضَعُ الاحتِلالَ في اختِبارٍ حَقيقي لِدعايَةِ العَدَالَةِ والحُريَّةِ والسَّلامِ التي يُرَوِّجُها للعَالَم، المَسِيرَةُ التي سَتَضَعُ مَنْظومَةَ الحُقوقِ فِي العَالَمِ مُتَمثِّلَة بِالمُؤَسَّساتِ الدوليةِ كَالأمَمِ المُتَّحدةِ وغَيرهِا مِنَ المؤسَّساتِ الحُقوقيةِ أَمَامَ اختِبار حَقيقي لِنُصرةِ المَظلومِ وإِعطائِه حُقوقَه.
إنَّ هَذا الحِراكَ الشَّعبيَّ الذي بَدأ يَطفُو على السَّطحِ بِقوَّة دَاخِلَ المُجتَمَعِ الفلسطينيّ، والذي أَصبَحَ الخيارَ الوَحِيدَ أَمَامَ الشَّعبِ الفِلسطينيّ لِيَضَعَ العالَمَ بِأسرِه أَمامَ خَيارَينِ مَصِيرِيَّين؛ إمَّا أن يَنالَ الشَّعبُ الفلسطينيُّ كَامِلَ حُقوقِهِ غَيرَ مَنقوصَة ولا مُؤجَّلة أو فَلْيَبدَأ عَصر الفَوضى وَعَدَمِ الاستِقرارِ لَيسَ في فِلَسطينَ وَحْدَها ولا فِي المِنطَقةِ فَقَط بَل في العالَمِ أَجمَع، لأنَّ هَذا الخَيار سَيَفرِضُ على المُحتلِّ أن يَخضَعَ لِمطالبِ الشَّعبِ، أو فليَأتي الاحتلالُ المُتَغَطرِس بِأَفرانِ الغَازِ لِيَحرِقَ بِها الشَّعب الفلسطيني على مرأى ومَسمَعِ العالَم بِأَسرِه.