شعار قسم مدونات

الكائن الأكثر فتكا على الأرض..

مدونات - ملاريا

تحليليا، لم يكن بالإمكان الجزم بقدرة هتلر على القضاء على العالم في المقولة المختلقة المنسوبة له بحاجته لجندي عربي وسلاح روسي وعقلية ألمانية للقيام بذلك، ولكن مرضا كالملاريا كان بمقدوره القيام بذلك في تلك الفترة.

  
يفقد سنويا أكثر من ٧٥٠ ألف شخص حياتهم نتيجة لعدوى الملاريا، الناتجة عن تعرضهم للدغات البعوض، رقم يفوق عدد الوفيات الناتجة عن التعرض لمخاطر حيوانات ضارية كالأسود، الضباع، التماسيح، الثعابين وخلافه، حتى إنه يفوق عدد الوفيات الناجمة عن حوادث اقتتال بين البشر، وليس بالأمر المستغرب أن نعرف أن في أفريقيا وحدها يقع أكثر من 90% من إجمالي تعداد الوفيات الناتجة عن الملاريا في العالم.
  
ولفترات طويلة في التاريخ الطبي، ظن الأطباء أن استنشاق الأبخرة والروائح المنبثقة من المياه الراكدة كالمستنقعات والبرك هو السبب وراء عدوى الملاريا، حتى لاحظ جراح فرنسي يدعى تشارلز لويس ألفونس في نوفمبر ١٨٨٠ أثناء فحصه لدماء أحد مصابي الملاريا، وجود طفيليات في دماء المريض، فأطلق عليها مسمى "بلازموديوم"، وقد كان ذلك الاكتشاف اكتشافًا محوريا وهاما في تاريخ التعامل مع الملاريا بما فيه الكفاية ليحصل بسببه تشارلز على جائزة نوبل.
  
منذ ذلك التاريخ، بدأت الرؤية تتضح أكثر فأكثر لكيفية انتقال العدوى بالملاريا، حيث تبدأ دورة العدوى بتعرض شخص مصاب بالمرض للدغة أنثى بعوض من النوع الناقل للمرض، تنتقل حينها طفيليات البلازموديوم (المسببة لمرض الملاريا) من دماء المريض لدماء البعوضة، تنتقل بعد ذلك البعوضة للدغ شخص آخر سليم، تنتقل حينها الطفيليات مع لعاب البعوضة إلى دم الشخص الملدوغ، تسبح الطفيليات مع مجرى الدم حتى تصل إلى خلايا الكبد وتبدأ التكاثر بداخلها، ومن ثم تخرج من خلايا الكبد منطلقة إلى مجرى الدم لتصيب خلايا الدم الحمراء، وتستمر في التكاثر بداخلها، لتبدأ الخلايا بالتحلل ويخرج الطفيل إلى مجرى الدم بأعداد ضخمة، ليتعرض المصاب للدغة جديدة من بعوضة جديدة، لتصاب البعوضة بالعدوى وتبدأ دورة جديدة من المرض.
    
تتراوح أعراض الإصابة بالملاريا التي تبدأ في الظهور بعد نحو ١٠- ١٥ يوما من لدغة البعوضة؛ ما بين ارتفاع حاد في درجة الحرارة، قيء، تشنجات، تضخم في الكبد والطحال، فقر الدم، فشل كلوي، وفي بعض الحالات المتقدمة قد تصبح العدوى مهددة للحياة. ولم يكن الاعتقاد بالعلاقة ما بين مرض الملاريا  والمسطحات المائية خاطئًا تمامًا، حيث ترتبط دورة حياة البعوض الناقل للمرض بالبعوض بشكل غير مباشر، حيث وُجد أن تكاثره يعتمد على نشر بيوضه على المسطحات المائية، ومن ثم عملية الفقس التي تنتج أجيال جديدة من البعوض القادر على نقل العدوى.
       

   
تلك العلاقة غير المباشرة جعلت خطط مكافحة الملاريا والوقاية منها تتمحور حول التخلص من البعوض، مثل استخدام المضادات الحشرية على المستنقعات والبرك المائية وبداخل البيوت، واستخدام وسائل واقية للجسد سواء داخل البيوت لعدم التعرض للدغ البعوض، أو بالتحذيرات للمسافرين للمناطق المصابة بالمرض بارتداء ملابس تعمل كغطاء لأكبر مساحة ممكن للجسد كحماية من اللدغ، بالإضافة بدون شك للأدوية المقاومة للمرض، التي توصف للمسافرين من قبل الطبيب بالجرعات المحددة، تحدد على نوع البعوض الناقل للمرض المنتشر في المنطقة.

    

لم يعرف العالم تطعيمًا فعالًا للوقاية من الملاريا حتى عام ٢٠١٥، حيث ظهر مصل "RTS" بفاعلية ما بين 26% إلى 50% فقط. وتختلف مرحلة العلاج من الملاريا حسب درجة خطورة العدوى ونوعها، تلك المرحلة تبدأ فورا بعد التأكد من الإصابة بالمرض، عن طريق التحاليل المختلفة والفحص الإكلينيكي.

   
وبنسبة تصل إلى ٩٠%، يتحقق الشفاء من الملاريا عن طريق العلاج الذي يشتمل على عقاقير تهدف إلى القضاء على الطفيل في الدم، وأخرى خافضة للحرارة، وعلاج أي مضاعفات ناجمة عن المرض؛ كنقل الدم في حالات فقر الدم على سبيل المثال. أما في الحالات الخطيرة والمستعصية والتي تصل الإصابة فيها إلى خلايا المخ، يعتمد العلاج على الحقن والعناية بالمريض في وحدات العناية المركزة، وقد ترتفع احتمالية الوفاة إلى ١٠% – ٥٠%.
  
وقد عمل بعض الباحثين عام 2015 على دراسة تشتمل على الهندسة الوراثية لحماية البعوض من الإصابة بطفيل الملاريا؛ عن طريق تخليق جين جديد وزراعته في خلايا البعوض، ليصبح بعوضًا معدلًا وراثيا بشكل يجعله مقاوما للإصابة بطفيل البلازموديوم المسبب لمرض الملاريا، لمنع اكتمال حياة الطفيل، فيستحيل انتقاله من شخص لآخر.
  
وتعمل منظمة الصحة العالمية على التوعية بخطورة مرض الملاريا، وتهدف إلى تحقيق تراجع في عدد الوفيات والإصابة بالمرض بنسبة ٩٠% بحلول عام ٢٠٣٠.

_____________________________________________
المصادر:
1- منظمة الصحة العالمية
2- مركز مكافحة الأمراض التابع لوزارة الصحة الأميركية

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان