شعار قسم مدونات

متى ننتهي من ظاهرة "ابن كيران"؟

Blogs- ابن كيران
 
20 فبراير حتى لا ننسى أننا نغفر الجهل الذي وقعنا فيه؛ نغفره دائما تقريبا وكأننا كتب الشقاء علينا بفهمنا له الآن! في كل مرّة يخرج فيها "ابن كيران" عن صمتهِ يأتينا بالعجائب والغرائب، وربما يفتح بابا لنقاش صمت وحكمة سعد الدين العثماني، وعليه فلي كُليمةٌ تلجلجُ في صدري، فهذا أوانٌ لا ينبغي لنا أن نخافَ إلا الله، الله وحدَهُ لا شريك له:
  
حكومتنا المغربية لها كل تقديرٍ وإجلال، لكننا لا ينبغي أن نجعلهم مصادرا للحقيقة المطلقة، خصوصا فيما لا صلة له بالعلوم الشرعية، كالأمور والوقائع المنفصلة عن النصوص ومتعلّقاتها، فهذه لا تؤخذ أصلا من العلوم الشرعية، وليست تلك العلوم مصدرا مقررا لحقيقتها. بل يصدر الحكم الشرعي بناءً على إدراكٍ معين للواقعة، أي أن الحكم تبعٌ لها، وليست هي التي تتبعه، وهذه جزئية أراها مهمة جدا، واختلافنا مع الشيخ "ابن كيران" على أن الرزق بيد الله! هنا، هو إختلافٌ في فهم هذا الواقع وتصوره وتفسيره. ومن ثمَّ فهو اختلافٌ في "تحقيق المناط"!
  
لقد استقرَّ عند حكومتنا أن الشوكة والتغلب هي المقرر النهائي للعلاقة مع المخزن والحكومة، فمتى ما غلبَ وبسطَ أمرَهُ على الناس بالقوة والإرغام والترهيب، وجبت طاعته اضطرارا، حقنا للدماء، مهما كان ظالما متعديا! أي إنهم -الحكومة- افترضوا أن المفاسد المترتبة على الخروج عليه أكثر وأعظم من بقائه، وإدراك المفاسد والمصالح مدركها العقل والواقع، لا النص.

 

الذي أراه أن شعبنا لا يريد إسقاط النظام، بل إصلاحه إصلاحا يجعل للناس رأيا في تدبير وإدارة شأنهم العام، ولن تُقضى الأمور بغير حضرتهم

كما أن "ابن كيران" لا يعي ولا يفهم حقيقة أن الاجتماع البشري في حالةٍ من التغير، تستلزمُ تغيرا في موازين القوى، لأسبابٍ كثيرة، منها: الإعلام المفتوح بأنواعه غير المسبوقة، والوعي، والقدرة على التنظيم الاجتماعي.. وكل ما سيؤدي إلى ضعف دور شوكة الحاكم في إخضاع الناس والسيطرة عليهم. فالأمر اختلف الآن، ولم يعد الخروج على المخزن ومن يتحكم به محصورا في تلك الصور التاريخية بأن فرقةً مسلحة تُغيرُ على الآمنين فتروّعهم مثلا، كالخوارج! بل هي الشعوب تزحف حتى تسقط الطغاة، من غير أي سلاح، وبطريقة سلمية، لا يرفعون فيها عصى ولا يلقون فيها حصاةً، فضلا عن السلاح. ولهذا، فلن تتكرر وقعة الحرّة التي أوقعها يزيد بأهل المدينة، إذ لم يكن هناك تويتر أو فيسبوك أو إعلام مفتوح!

 

ولن نرى مأساة حماة السورية تعيدُ نفسها من جديد، لحدوث متغيرٍ جديد، فالمستبد يستطيع أن يرتكب كل أبشع الجرائم، شريطةَ أن يحاصر ضحاياه جغرافيا وإعلاميا، وأن يُجهز عليهم قبل أن يُفكَّ الطوق المضروب. فإن فشلَ، وهذا ما بات حتميا مؤخرا، فإن الإقدام على مثل هذه المغامرات ضربٌ من الانتحار السياسي والقانوني، فلم يكن ابن علي أو حسني ليتورعوا عن القتل، لكن آلة القتل تفكّكت، لأنهم  فشلوا في حصار المظاهرات، فسقطت المشروعية، لسقوط أدوات تأمينها، وسقط الطاغية..!

  

عبد الإله بنكيران  (الجزيرة)
عبد الإله بنكيران  (الجزيرة)

 

قد أوجزت كثيرا في تفسير مكامن ضعف أدوات القمع، لما طرأ واستجد فقلبَ موازين القوى. أي أن الطرائق التقليدية لإخماد ثورات الشعوب لم تعد مجدية، ولهذا، فإن احتشاد مئات الآلاف، وبشكلٍ سلمي بحت، في شارع "الحمام" أو أمام البرلمان، سيطيحُ بأعتى الأمراء والوزراء، وسيتزلزلُ له العليةُ من القوم زلزالا شديدا، ومجرد التفكير في ذلك يصيبُ بعض القلوب الغليظة بالهلع والرعب، ولذا فهم يحاولون أن يشلّوا قدرات الشعب عبر تخديرهم بالفتوى الدينية، بواسطة حكومة "العدالة والتنمية"!

 

الذي أراه أن شعبنا لا يريد إسقاط النظام، بل إصلاحه إصلاحا يجعل للناس رأيا في تدبير وإدارة شأنهم العام، ولن تُقضى الأمور بغير حضرتهم، فيجب أن يحضر ممثلو الشعب في مؤسسات اتخاذ القرار لا المتعجرفون كـ"ابن كيران"!

يا سي "ابن كيران".. إن الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا يأمرنا بالصبر إلا على ما لا مناص لنا أمامه إلا الصبر وراه ما قد يوافقك عليه سعد الدين ليس مقدسا حتى نكف عن انتقادك وانتقاده، أي أن طرق دفع الظلم قد انسدّت. ولهذا، فالنصوصُ ليست على ظاهرها، ويُقال فيها مثل ما يُقال في أمثالها، كنصوص الأمر بالمعروف، فالجميع يُردُّ إلى قواعد المصلحة والمفسدة، وهي التي تضبطه، وتحدد معناه الجزئي في كليات الشريعة. وفرقٌ ظاهر وكبير بين ما لنا منه بد، وبين ما ليس لنا منه بد، فرقٌ كبير.!

 
إن هذه من صور "خيانة الحكومة" لدورها التاريخي، كما قال بعضهم: "يوجد الآن مريدو سلطان، كما كان في السابق فقهاء سلطان"..!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.