شعار قسم مدونات

صهيون على عرش فرعون (3)

blogs - alsisi
بعد الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي، قررت الولايات المتحدة وقف المعونات الاقتصادية لمصر، ثم إيقاف كل المساعدات بصورة مؤقتة، ووقف توريد طائرات "إف 16" ومقاتلات الأباتشي وغيرها من القطع العسكرية والصواريخ وقطع الغيار الحربية وإلغاء مناورات النجم الساطع، وكان هناك مواقف مشابهة أخرى من الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، إلا أن دعما قويا وتحركات إسرائيلية شديدة استطاعت تغيير الموقف بصورة كبيرة.

      

خلال شهر يوليو 2013، والذي أعقب عزل مرسي، كرس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اتصالاته وعلاقاته وكل نفوذه حول العالم لدعم الجنرال عبد الفتاح السيسي في كل ما يقوم به داخل مصر، فكشفت المحطة الثانية من الإذاعة العبرية المعروفة بـ"ريشت بيت" في 25 من ذلك الشهر أن نتنياهو جمد مؤقتا الاهتمام بمسألة المشروع النووي الإيراني وبات أهم ما يعنيه هو الحرص على ضمان نجاح خطوات الجيش المصري، كاشفة عن أنه تحدث إلى كل من الرئيس الأمريكي ورئيس الحكومة البريطانية والرئيس الفرنسي مرارا وتكرارا لحثهم على عدم التردد في إبراز الدعم للسيسي، مُشيرة إلى أنه اضطر في إحدى المرات للاتصال بقصر الإليزيه 5 مرات في يوم واحد، مُضيفة بأنه أصدر تعليماته لكل من رئيس الموساد ورئيس الاستخبارات العسكرية بإثارة دعم السيسي في المحادثات التي يجرونها مع جميع نظرائهم في الغرب، كما أصدر تعليماته لسفراء إسرائيل في الغرب باستغلال القنوات الدبلوماسية لإقناع حكومات الدول التي يعملون فيها بأهمية دعم السيسي، بالإضافة إلى جهوده الكبيرة داخل الكونجرس والإدارة الأمريكية، حتى إنه طلب شخصيا من أوباما الضغط على الزعماء العرب لتكثيف زياراتهم لمصر، بجانب تحركات دبلوماسية واستخباراتية داخل الاتحاد الأوروبي والأفريقي. وصل الأمر بالوزير الإسرائيلي جلعاد أردان أن اتهم حكومة جنوب أفريقيا بأن موقفها الرافض لتحركات السيسي يُعد تشجيعا على الإرهاب، حتى صار كيان الاحتلال بكل نفوذه مكتب علاقات عامة للسيسي حول العالم.

     

كانت عودة الجيش للحكم بشكل مباشر وصريح وقتل الديمقراطية في مصر هو الاستثمار الأكبر والأهم لإسرائيل، خاصة إذا كان المكلف بتلك المهمة رجل يطمح لتولي الحكم بأي ثمن ممكن

ما ذكرته الإذاعة العبرية أكده بعد ذلك كل من الدكتور عماد جاد عضو البرلمان في مقاله "لقاءات الرئيس في نيويورك"، والذي قال فيه نصا "علينا في الوقت نفسه أن نضع المصلحة الوطنية المصرية في المقدمة ونتحلى بالموضوعية، ونعترف بأن إسرائيل لعبت دورا مهما في دعم ثورة الشعب المصري في الثلاثين من يونيو، ومارست الوفود التي أرسلها بنيامين نتنياهو ضغوطا كبيرة على أعضاء في الكونجرس من أجل تبنى رؤى موضوعية تجاه الأحداث في مصر"، وكذلك كلام المذيع توفيق عكاشة بدور نتنياهو الكبير في دعم السيسي وتحركات الجيش داخل الإدارة الأمريكية، وسفره خصيصا إلى واشنطن من أجل إقناعه بتغيير موقفه من تلك القضية وضرورة مقابلة السيسي.

     

بالعودة إلى الوراء قليلا، وتحديدا في يناير من عام 2010، نشرت صحيفة المصري اليوم تفاصيل خطة إسرائيلية للقضاء على القضية الفلسطينية؛ تقضي باستمرار سياسة الاستيطان في الضفة الغربية وتقنين وضع المستوطنات القائمة، مع تعويض الفلسطينيين بمساحات شاسعة من الأراضي المصرية في سيناء لإنشاء دولة لهم، إلا أن مبارك -رغم علاقته القوية بدولة الاحتلال- رفض تلك الخطة خوفا من الثورة عليه، وهو ما أكده المخلوع نفسه في تسريب صوتي، لذا فقد تم تأجيل الخطة حتى ظهور خليفته الذي سيقبل بهذا الحل، وبعد تولي جماعة الإخوان المسلمين الحكم عبر مرشحهم محمد مرسي، كان هناك الكثير من التفاهمات حول ذلك الموضوع، حتى إن المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع قد قال بذلك صراحة خلال درس له في جامع عمرو بن العاص في نوفمبر عام 2011؛ قائلا بأنه لا مانع من إقامة مخيمات للفلسطينيين في سيناء، إلا إن إسرائيل كانت لا تأمن بأي حال من الأحوال لذلك، وخاصة مع العلاقات القوية والأيديولوجية بحركة حماس، كما كان يقلقها وجود حكم إسلامي جديد على حدودها.

    

لذا فقد كانت عودة الجيش للحكم بشكل مباشر وصريح وقتل الديمقراطية في مصر هو الاستثمار الأكبر والأهم لإسرائيل، خاصة إذا كان المكلف بتلك المهمة رجل يطمح لتولي الحكم بأي ثمن ممكن، وهو ما تنشده إسرائيل وتبحث عنه، فوفق ما أشرنا في المقالات السابقة، فإن دوافع العمل مع دول وكيانات معادية له أهداف كثيرة من أهمها؛ النرجسية والإفراط في الطموح، والبحث عن داعم قوي لتعزيز النفوذ الشخصي لتحقيق الطموح على حساب أي شيء وكل شيء، فتدعمه بكل ما تستطيع من قوة في سبيل خدمتها، وتلك الخدمات ليس الحصول على المعلومات الحساسة وحدها، وإنما لتوجيه نظم الحكم أو خلق أنظمة جديدة -إن أمكن- للقيام بما يخدم مصالحها، سواء على صعيد السياسات الداخلية أو الخارجية. وفي تسريب صوتي للجنرال السيسي مع الصحفي ياسر رزق، اتضح أنه يملك طموحا قويا لحكم مصر منذ أكثر من 35 عاما.

     

ونعود مرة أخرى لما بعد 30 يونيو، حيث لم يتوقف الدعم الصهيوني للسيسي منذ حينها وحتى اليوم، والذي شهد محطات كبيرة كان أهمها بعد مذبحة رابعة العدوية التي دافعت عنها إسرائيل بشدة، وفق ما كشفت صحيفة جورزاليم بوست وقتها، مروجة بأن إدانتها دوليا أو الاعتراف بها كمذبحة أو جريمة حرب من شأنها إضعاف موقف الجيش وتقوية موقف جماعة الإخوان المسلمين، ودعوة العالم للتخلي عن المطالبة بالديمقراطية في مصر والوقوف صفا واحدا حول مبدأ عدم سقوط مصر، وكذلك الترويج لخطاب جديد أصبح منهجا في الدعاية الصهيونية للسيسي، مفاده أن استقرار المنطقة الذي يحققه السيسي أهم من الديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر، وهو نفس ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك في كلمته أمام معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، وفي حوارات تلفزيونية عدة داخل الولايات المتحدة من وجوب التنازل عن قيم الدفاع عن الحرية والديمقراطية بهدف حماية مصالحها، كما أن التحدي الأكبر في مصر هو توفير الغذاء والوظائف، وهو ما يستطيع السيسي تحقيقه.

    

وخلال حكم السيسي، كان الداعم الأكبر له خارجيا يتمثل في المنظمات والمؤسسات اليهودية والصهيونية حول العالم، حتى أنه خلال 20 شهرا فقط عقد خمسة اجتماعات مع الممثلين عن المنظمات اليهودية والصهيونية الأمريكية، وصار هؤلاء هم السند الوحيد له بعد إحجام أغلب الدوائر الأخرى عن مقابلته والحديث معه، بجانب لقاءات سرية وعلنية مع قيادات دولة الاحتلال، وربما كان ذلك الدعم هو المقابل لما أنجزه السيسي لإسرائيل في المقابل، أما الحديث عن علاقات أسرية أو غيرها بين السيسي والصهاينة فهو من قبيل الخرافات، أما عن أرباح إسرائيل من ذلك الاستثمار فسنتناوله في المقال القادم والأخير من هذه السلسلة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.