متى تدقون جدران الخزان؟

blogs - GAZA
فلسطين قضية العرب أم مشكلة الفلسطينيين، كان ذلك عنوان محاضرة للدكتور عزمي بشارة في العاصمة اللبنانية بيروت عام 2009، استهلها بالإشارة إلى أن الشباب الفلسطينيين هم من يحيون ذكرى النكبة الواحدة والستين آنذاك، وهو ما لم يتوقعه أجدادهم، حسب قوله، ولم يفكر به الصهاينة في أسوأ أحلامهم.
ورغم أن إشارة الدكتور عزمي بشارة تحمل نسفا للنبوءة الصهيونية؛ الكبار يموتون والصغار ينسون، فإنني لم أصفق كما فعل الحضور الذي كان جله من الشباب، وأنا واحد منهم، بل شعرت بالحسرة والمرارة، لأننا لم نتمكن بعد واحد وستين عاما من استعادة أرضنا المحتلة. كان ذلك قبل تسعة أعوام، أما اليوم ونحن نقترب من إحياء الذكرى السبعين للنكبة، يدق ناقوسها مبكرا سؤال تهكمي من مغترب عربي؛ لماذا نجحت كل حركات التحرر في استعادة حقوقها، بينما فشلت حركة التحرير الفلسطينية؟
لم أكن متعصبا لهويتي، فكانت الإجابة باختصار: لأن حركة التحرير انحرفت عن مسارها ودخلت في عملية تسوية مع المحتل الإسرائيلي، وعليه، لم تعد القضية الفلسطينية قضية لاجئين شردوا من ديارهم، بل أصبحت مجرد نزاع حدودي. ومثل هذه النزاعات يطول أمدها، خصوصا حين يكون الطرفان غير متكافئين، لذلك ليس بعيدا أن يحيي الفلسطينيون الذكرى المئة للنكبة بعد ثلاثين عاما بإيقاد الشموع وإعداد الأفلام الوثائقية، مادامت القيادة الفلسطينية قد أسقطت من جعبتها خيار الكفاح واستكانت لما يسمى بالشرعية الدولية.

وما دام الشعب صامتا إزاء استمرار الحصار الخانق، وتردي الأوضاع الاقتصادية والصحية، وارتفاع معدلات البطالة، وتفاقم حالات الفقر والعوز، فإن أحدا لن يحرك ساكنا لرفع الحصار

نعم لهذه الأسباب فشلنا في استعادة أرضنا، وكل ما يساق من النص القرآني وغيره عن أبدية الصراع مع اليهود في فلسطين، ليس سوى محاولات لتبرير التخاذل عربيا وفلسطينيا. وستبقى المأساة قائمة لعقود قادمة ما دام الشعب هو الغائب الأكبر عن المشهد الفلسطيني، فلوم القيادة لا يعفيه من مسؤولياته، لأنه وحده من يمنح الشرعية لمن يمثله، سواء بصوته أو بصمته، وإلا أين كان الشعب الفلسطيني حين اعترفت قيادته بحق الاحتلال الإسرائيلي بـ78 في المئة من أراضي فلسطين التاريخية.

فصل آخر من تبعات الاستكانة والصمت الشعبي بدأ يأخذ ملامح ملفات الحل النهائي؛ كملف القدس الذي أغلقه ترمب مؤخرا، وملف اللاجئين، إنه الحصار المفروض على قطاع غزة الذي دخل في عامه الثاني عشر.
يمثل صمت الشعب المحاصر القاسم المشترك بين الحالتين، لذلك لا أرى جدوى في لوم الجلاد ونعته بأقذع الصفات بعد اثني عشر عاما من الحصار، فلن تكون إسرائيل أرحم من القيادة الفلسطينية التي تفرض إجراءات عقابية ضد سكان القطاع بغرض الضغط على حركة حماس، ولن تخجل مصر من الاستمرار في إغلاق معبر رفح أمام المرضى الفلسطينيين، في الوقت الذي تجاهر فيه بفتح حدودها ومجالها الجوي أمام السياح الإسرائيليين للاستجمام في شرم الشيخ وطابا.
وما دام الشعب صامتا إزاء استمرار الحصار الخانق، وتردي الأوضاع الاقتصادية والصحية، وارتفاع معدلات البطالة، وتفاقم حالات الفقر والعوز، فإن أحدا لن يحرك ساكناً لرفع الحصار حتى وإن حذر المنسق الأممي للشؤون الإنسانية بالأراضي الفلسطينية من كارثة إنسانية في قطاع غزة، أو عقد مجلس الأمن اجتماعا للتشاور حول سبل إنهاء معاناة الغزيين.
  
الرضيعة المريضة حنان الخيسي (8 أشهر) أُدخلت المشفى
الرضيعة المريضة حنان الخيسي (8 أشهر) أُدخلت المشفى "بقطاع غزة" لتلقي العلاج لكن انقطاع الكهرباء فاقم حالتها الصحية. (الجزيرة)

تلك أنشطة وتصريحات وقرارات شكلية اعتاد عليها الفلسطينيون، بدءا من القرار رقم 194 الذي أكد على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم عام 1948، وانتهاء بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة العام الماضي برفض أي إجراءات لتغيير الوضع في القدس.

إذن، لكي لا ندعو إلى رفع الحصار مجددا عن قطاع غزة في عامه العشرين، لا بد للشعب المحاصر أن ينتفض ليكسر القيد، ألم يقل أبو القاسم الشابي: إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر، ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر. نعم، الحرية لاتوهب للضعفاء، والضحية التي تستكين للجزار لا تستحق الحياة، حتى وإن كان أمر ذبحها حتميا.

وهنا أجد نفسي منحازا ولو مؤقتا لسؤال أبي الخيزران في رواية "رجال في الشمس" للكاتب الفلسطيني غسان كنفاني: لماذا لم تدقوا جدران الخزان؟ ليس دفاعا عن أبي الخيزران، بل تعجبا من أمر أبي القيس وأسعد ومروان، كيف تبلغ القلوب الحناجر دون أن يكلف ذلك أصحابها صرخة أو طرقة واحدة!
 
إلى المحاصرين في قطاع غزة: إن لم تصرخوا الآن، إن لم تطرقوا جدارن الخزان، سيكون مصيركم كمصير أبي القيس وأسعد ومروان، فلا تموتوا بصمت، اجعلوا لموتكم ثمنا، وإن كان ذلك الثمن رقبة أبي الخيزران.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

إعلان

إعلان