شعار قسم مدونات

الإمبراطورية الإماراتية التي هدمها ابن زايد

blogs بن زايد

تاريخيا، إن لفظة "إمبراطورية" تدلك على المساحة العظيمة التي يحكمها إمبراطور نافذ يسيطر على جيش قوامه مئات الآلاف، قادر على أن يغير المعادلات بين لحظة وضحاها، ويملك زمام القوة والأمر حيث يريد ومتى يريد. إن هذه اللفظة بالضرورة تعني امتداد السيطرة على بقاع تشمل دول ومدن الغير بحق وبغير حق؛ سيطرة ثقافية ومالية وعلمية ودينية شاملة، بحيث يتحول هذا الغير بإرادته وبغير إرادته إلى جزء من عالم ذلك الإمبراطورية.

إن مفهوم الإمبراطورية هذا تغير نسبيا في العصر الحديث، فروسيا كانت إمبراطورية تحكم العالم من مقر الكرملين ودون أن تحرك طائرة أو دبابة، لكنها امتلكت القوة الكافية لردع من يخالفها بالإضافة لحلفاء في كل مكان وعلى امتداد الجغرافيا، وأمريكيا هي نموذج فعلي للإمبراطورية المعاصرة التي يمتد حكمها على مغارب الأرض ومشارقها، رغم أنها فعليا لا تحتل الأرض، لكنها تحتل الاقتصاد وتحتل العقول وتحتل الثقافة وتحكم العالم بأدوات من صنعها، هم من نسميهم في عرفنا حكامنا. لقد أصبح نجاح الإمبراطورية الحديثة مرتبطا بالدرجة الأولى بالاقتصاد بعدما كان سابقا مرتبطا بالدرجة الأولى بالجيوش، ولم يعد لاحتلال الجغرافيا مكانة في تشكيل الإمبراطوريات، بل بالعكس، أصبح يشكل عبأ ثقيلا على الأباطرة فاكتفوا بالاحتلال الرخيص الذي لا يكلف الكثير.

قدم الشيح زايد الدعم لمصر في حرب أكتوبر وما قبل حرب أكتوبر، فأعادت جهوده بناء الجيش المصري وترتيب أوراقه من جديد

وحين تملك الدولة الشعب والاقتصاد والجيش والجغرافيا، يصبح من العيب في حقها ألا تكون إمبراطورية كما حال كثير من دولنا العربية التي تصدر مقومات الإمبراطوريات من بترول ومال وعقول لغيرها، مكتفية بأن تبقى هي في ذيل هذه الإمبراطوريات. وعلى العكس، حين لا تملك الدولة مقومات الإمبراطورية وتستطيع أن تكون إمبراطورية فهذا إعجاز يستحق التقدير والوقوف أمامه وله احتراما، وهذا ما فعله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي استطاع أن يوحد في حين لم يبدع غيره إلا بالتفرقة، واستطاع أن يؤلف في حين أبدع غيره في التشرذم. لقد أسس الإمارات المتحدة ولم يكتف، فعملت بلاده الوليدة واستضافت أول قمة لمجلس دول التعاون الخليجي الذي كان من أسس تأسيسه هو الوحدة الخليجية.

لقد أنفق الشيخ زايد مليارات الدولارات في مساعدة ما لا يقل عن أربعين دولة فقيرة، حتى قيل حيثما وجدت الخلافات وزايد وجدت الحلول، وحيثما وجدت الشرور وزايد انتصر الخير. ويحسب لزايد أنه أول من استخدم سلاح النفط كسلاح في مواجهة تدفق السلاح الأمريكي إلى "إسرائيل"، في محاولة من جانبه لتغيير سير المعركة، ما أثر في الموقف الدولي لمصلحة العرب، فشكل ضغطا كاملا على القرار الدولي محرزا نصر أكتوبر، الذي اعتبره حرب التحرير، فيما وصلت رؤيته إلى العالم العربي الذي كان يتطلع إلى النصر وتحرير الأراضي العربية، ليؤكد للعرب أن من بين حكامهم هناك من خرج ليضحي في سبيل نصرة الأمة العربية. 

لقد قدم الشيح زايد الدعم لمصر في حرب أكتوبر وما قبل حرب أكتوبر، فأعادت جهوده بناء الجيش المصري وترتيب أوراقه من جديد. وفي حرب الخليج الأولى كان للشيخ زايد موقف رهيب حين رفض اعتبار قضية الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة من قبل إيران ذريعة للعراق في استمرار الحرب مع إيران.

ولكم من مدينة حديثة في العالم تحمل اسم الشيخ زايد حين قام على نفقة بلاده وأبناء شعبه بالتبرع ببنائها، فمدينة الشيخ زايد بمسجدها الرافد الكبير في قطاع غزة تشهد لهذا الراحل بما أنجز، ومدينة الشيخ زايد في مصر تتذكر أفعاله فيذكر بالرحمة. إن الإمارات في حقبته تحولت من مجموعة إمارات إلى إمبراطورية من الكرم والجود والعطاء، فارتبط اسمها بكل حسن، بل ارتبط اسمها باسم زايد، فاستحق أن يكون إمبراطورا في إمبراطورية لم تملك من مقومات الإمبراطوريات إلا المال ورجلا عرف كيف يدير هذا المال.

هناك فرق بين زايد الذي عمر في اليمن ما عمر، وابن زايد الذي هدم ما هدم. وهناك فرق بين زايد الذي رحب بالضيوف الفلسطينيين والسوريين والأردنيين، وابن زايد الذي هجر ورحل وسجن ولعن
هناك فرق بين زايد الذي عمر في اليمن ما عمر، وابن زايد الذي هدم ما هدم. وهناك فرق بين زايد الذي رحب بالضيوف الفلسطينيين والسوريين والأردنيين، وابن زايد الذي هجر ورحل وسجن ولعن
 

وحين نقارن المليارات التي دفعها زايد الأب بالمليارات التي يدفعها زايد الابن نجد فرقا، فالأخير بذخ كثيرا في الإنفاق على الانقلاب في مصر ليسحق بملياراته الشعب المصري، وبذخ على حرب اليمن فدمر اليمن، وله يد في الخراب في الصومال، أما يده الخيرة فلم تمتد إلا إلى إسرائيل سرا وعلنا سندا وعونا، وهو اليوم يحاصر قطر ويفرق مجلس التعاون الخليجي الذي جمعه أبوه، بالفعل استطاع زايد الابن أن يبني إمبراطورية لكنها إمبراطورية الخوف والرعب.

وحين نقارن بين الذي بنى والذي هدم، وبين الذي ائتمن فأدى الأمانة وبين الذي ائتمن فخان، وبين الذي منحه الله فأعطى وبين الذي منحه الله فجحد ونكل، نجدها كلها بالضبط كالفرق بين زايد الذي وحد الإمارات وجمع مجلس التعاون الخليجي وابن زايد الذي فرق قلوب الإمارتيين ومزق مجلس التعاون الخليجي والمنطقة العربية كلها، إنها كالفرق بين زايد الذي عمر في اليمن ما عمر وابن زايد الذي هدم ما هدم، إنها كالفرق بين زايد الذي رحب بالضيوف الفلسطينيين والسوريين والأردنيين.. إلخ، وابن زايد الذي هجر ورحل وسجن ولعن. إن أحد الزايدين سكناه قلوب الخلائق والآخر سكناه الجحيم، وكلاهما على ألسنة الناس؛ أحدهما بالخير والرحمة، والآخر باللعنة والنقمة، فأي إمبراطورية بنى زايد وأي إمبراطورية هدم ابن زايد "يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ".

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

إعلان

إعلان