شعار قسم مدونات

نورا للقلب.. أيا رب

مدونات - دعاء مسلم مسجد صلاة
أهل البيت نيام من جديد، الفرق أن البيت مضيء بأكمله، أقوم لتفقد الزوايا فأطفئ ما تبقى من أثر، وفي كل مرة أطفئ فيها نورا أسأل قلبي: ماذا عن نورك؟ أخشى أنه قد بات مع الذين ختم الله على قلوبهم. أحاول طرد مخاوفي فإذا بدائرة السؤال تتسع ليحيط الخوف البيت كله. يتشكل سؤال آخر: ماذا عن هذا البيت في ذكر أهل السماء؟ أيكون من البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه؟
 
أتوجه إليه مباشرة فلطالما أهداني الإجابة، وأهداني النور. أركع وأسجد وأحاول حصر الذنوب التي اقترفتها منذ آخر لقاء يبحث عن الأجوبة. الذنوب هذي المرة كثيرة، ولا أعلم كم من ركوع وسجود يلزمني بعد أملا في المصافحة وفتح باب آخر من جديد. لكني وبرغم ركوعي وسجودي الكثيف -الطردي مع كثافة ذنوبي- أعلم أن بابه سيفتح بسجدة واحدة صادقة خاشعة يكون القلب فيها في أقرب موضع إليه، لا بكثرة الركوع أو السجود.
 
منذ أن جئنا إلى الحياة، تبرمجت عقولنا على البحث عن أماكن ما نحتاجه، لا علم دون أن تقصد المدرسة، لا مال دون أن تقصد العمل، ولا أشياء أخرى كثيرة دون أن تقصدها. فما المكان الذي تقصده علك تقابل الخالق فيجيب سؤالك ودعاءك، قيامك وأعمالك؟
 

تبحث عن نور الله فتجده في وجه أبيك الذي قد بلغ من العمر عتيا وما زال يهجر دفء فراشه قاصدا بيوت الله مع كل فجر، تبحث عن نور الله فتجده في امتناع أمك عن الطعام حتى مجيئك
"فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوّ وَالاَصَالِ" سورة النور اية 36. يسيء رجل واحد فهم الآية، فيدمر بلدا بوعظه الذي بُني على فهمه، يجمع الناس في المسجد خاطبا فيهم أن هذا هو البيت الذي يُرفع فيه اسم الله، هذا هو البيت الذي يتوجب عليك قصده كلما اخطأت عله يعفو عنك. أما ما يُرفع في الأسواق، في الطرقات، في الأحياء، وفي أي مكان آخر غير المسجد؛ فلا مكان للعفو بها، فصاحب العفو لن يجيبك حتى تأتيه هنا. وبناء على هذا الفهم؛ تجد لكل شخص وجهين، الوجه الذاكر الخاشع العابد في المسجد، والوجه العابس المخادع اللاهي بعد أول خطوة يخطوها خارج حدود المسجد، إلا من رحم ربي.
 
في الطرف الآخر، يدرك رجل واحد فهم الآية، فيعلم أن الله يسكن في قلب كل مؤمن قبل أن يراقبه من فوق سبع سماوات، ويعلم أن نور القلب ينير ظلمات الدنيا كلها، وأن مساجد الأرض كلها لن تهب النور لشخص واحد، لكن قلب شخص واحد قادر على منح النور للمساجد جمعاء.
  
تبحث عن نور الله فتجده في وجه أبيك الذي قد بلغ من العمر عتيا وما زال يهجر دفء فراشه قاصدا بيوت الله مع كل فجر، تبحث عن نور الله فتجده في امتناع أمك عن الطعام حتى مجيئك، تبحث عن نور الله فتجده في أخيك الذي تقاسم ماله معك، تبحث عن نور الله فتجده في ابتسامة زميلك الصادقة كلما رآك كل صباح، تبحث عن نور الله فتجده في كل أمر يسير يمدك بالقوة لإتمامه، تبحث عن نور الله فتجده في كل أمر عسير يمدك بالصبر لتجاوزه، تبحث عن نور الله فتجده في كل صغيرة وكبيرة ينعكس بها نور قلبك عليها. تبحث عن نور الله، فإن لم تجده، فتفقد قلبك، أخشى أن يكون النور قد هجره منذ زمن ولم تلتفت إليه.
  
undefined

 
إن القلب الحامل لذكر الله أينما اتجه، هو قلب ذو وجهة واحدة مهما تغيرت بوصلة الطريق، يقصد الله في كل خطوة، فينير بخطواته الطرقات كلها. لا يزيد مكيالا طلبا للربح لأنه يعلم أن الفوز الحقيقي يكمن في خشية الله، ولا يكذب لتخليص نفسه من سوء أصابه لأنه يعلم أن لا ملجأ له إلا الله، ولا يسرق بحثا عن المال لأنه يعلم أن لا رزاق إلا الله، ولا يظلم أحدا لأنه يعلم أن لا ناصر لمظلوم إلا الله.
 
إن القلب المثقل بالذنوب الذي ابتدأت به ليلة ظلماء كهذه بينما كنت أبحث عن النور، أسقط حمله كله بعد السجدة الحاسمة التي لا ذنب بعدها، ولا ظُلمة بعدها. ما بعدها قلب نقي ينبض بنور الله، القلب الذي سيتوه من جديد، وسيعكر صفوه غبار الحياة من جديد، إلا أنه يعلم أن لا ملجأ له سوى نور خالقه، وأنه سيمضي عمره حاميا له، أو باحثا عنه.

إن المهمة التي أوكلني الله إياها، وأمدني بنوره لأنير قلب إنسان واحد على هذه المعمورة، تتطلب مني إيقاظ قلبي من غفلته، ولم أجد خيرا من كلامه عز وجل ليوقظ قلبي، فعلمني وألهمني، وها أنا أكتب علني أوصل ولو بصيصا من النور الذي يغمرني. رفعت الأقلام وجفت الصحف.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.