جلس الشيخ في القاعة يشرح عن الحقوق والواجبات في الحياة الزوجية، واستطرد في تأصيل مفهوم قوامة الزوج، حيث "كل سفينة تحتاج ربّانا، وقد منح الله تعالى الرجل من القوة ورجاحة العقل ما يؤهّله لقيادة هذه المؤسسة، وإن من تكريم الإسلام للمرأة أن هيّأ لها أسباب الاستقرار فأوجب على زوجها النفقة والكسوة..".
هذه المفاهيم اعتدنا التسليم بها، رجالا ونساء، كثابت من ثوابت الحياة الأسرية السليمة، لا سيما مع وجود نصّ قرآنيّ صريح: "الرجال قوّامون على النساء، بما فضّل الله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا". لكنّ همسا بدأ يدور في نفوس شريحة من النساء، لم يمتلك الجرأة الكافية ليُسمع صوته. ويخيّل لي حال بعض الحاضرات في القاعة، تهزّ برأسها استنكارا لواقع بعيد عن الذي يصوّره المحاضر.
ما أودّ طرحه للنقاش، وأؤكد على كلمة "النقاش"، فلست أهل اختصاص في علوم الدين، هو صورة اجتماعية بُني عليها حكم القوامة. فكما هو واضح أعلاه في الآية الكريمة، وأصّل له العلماء، إن ميزة قوامة الرجل على زوجته استندت على ركنين اثنين:
1- ما فضّل الله الرجال على النساء؛ وهذا أمر خلقي.
2- الإنفاق؛ وهذا أمر سلوكي.
1- ما فضّل الله الرجال على النساء؛ وهذا أمر خلقي.
2- الإنفاق؛ وهذا أمر سلوكي.
معلوم عن خصائص الأسرة العربية ومنذ عهد الجاهلية فالإسلام والعصور التي تلت، أن الرجل هو المسؤول عن أسرته والمنفق عليها، فيما المرأة تمكث في بيتها تتولى رعاية الأولاد والبيت، فضلا عن الزوج. وكانت المرأة الملتزمة لا تخرج إلى سوق العمل إلا في حدود الضرورة؛ أي ما يحتاجه المجتمع "الملتزم" كي تستقيم دورة الحياة فيه، كالطبيبة والمدرّسة و…
لست أدعو إلى إعادة توزيع السلطات في البيت أو تعديل صلاحيات قوامة الرجل، فهذا يؤدي إلى اختلال ميزان الأسرة، وهو ليس في مصلحة المرأة قبل الرجل، فهي التي جبلت على حاجتها للرجل القوي الذي تركن إليه |
لكن دعونا ننظر إلى واقع المرأة الملتزمة في مجتمعنا الآن. وسأخصّ بالحديث مجتمعنا اللبناني: هل ما زال عمل المرأة الملتزمة استثناء يخضع لحكم ضرورة احتياجات المجتمع، وهي قليلة؟ الواقع يقول: لا. فقد بات عمل المرأة أمرا طبيعيا فرضته ضغوط الحياة المعيشية، بالإضافة إلى مساحة الحرية والحقوق التي نالتها المرأة المسلمة بعد أن جرى تصحيح النظرة لدورها في المجتمع.. فخرجت لتؤدي دورا إلى جانب أخيها الرجل في المجتمع.
وبناء عليه، فإن علينا أن نعترف أن ظروف مجتمعاتنا العربية قد تغيرت، وأن أدوار مكوّنات المجتمع قد طرأ عليها تعديل، حتى بتنا نسمع أن شباب هذه الأيام المقبل على الزواج يفضّل عروسا تعمل كي تعينه في مصروف البيت! فتقاسم الزوجان عبء المصاريف، بالتساوي أو أقلّ أو أكثر، ولم يعد الزوج وحده يندرج تحت صفة "وبما أنفقوا".. ومساهمة الزوجة لم تعد بالخيار!
لا نريد أن نعمّم، لكن علينا أن نعترف بأن ظاهرة مشاركة الزوجة بالإنفاق آخذة بالتوسع شئنا أم أبينا.
أمام واقع كهذا، أطرح تساؤلا: هل من الإنصاف أن يستمرّ استحضار خصائص مجتمعات ما عدنا نعيش مثلها، لرسم النموذج المثالي للأسرة المسلمة، فيما أحد سبَبي القوامة قد تبدّلت حاله؟
لست أدعو هنا إلى إعادة توزيع السلطات في البيت أو تعديل صلاحيات قوامة الرجل، فهذا يؤدي إلى اختلال ميزان الأسرة، وهو ليس في مصلحة المرأة قبل الرجل، فهي التي جبلت على حاجتها للرجل القوي الذي يحميها وتركن إليه ويرعاها، ويريحها أن تعيش في كنف رجل يتحمل مسؤولياته تجاه أسرته. لكن هذا الواقع المستجدّ يفرض على الزوج أن يتقبل ضريبة هذا التعديل في الأدوار -بسبب شراكة الإنفاق- الذي يوجب عليه أن يكون مرنا في نظرته للحقوق والواجبات، حفاظا على استقامة سير الأسرة وسلامة قوامته.
وأكاد أجزم أن كثيرا من الزوجات العاملات يشعرن بالحنق أمام زوج يتمسك بكامل حقوقه ويطالب زوجته بواجباتها، متناسيا أنها تعمل مثله. فكيف إذا كانت تشارك في نفقة البيت؟! لقد حدّد الشارع الإسلامي أن النفقة واجبة على الزوج، وحين تتقبل الزوجة مشاركة زوجها هذا العبء، فإن الإنصاف يحتم على الزوج أن يبادلها الحسنى بتأمين من يحمل معها عبء رعاية البيت.. إلا أن يكون معسرا ويتحمّل مشاطرة الزوجة مسؤولياتها في البيت.
ونعود إلى أستاذنا المحاضر لنلفت الانتباه أن الزوجة باتت هي أيضا تعود من عملها آخر النهار، وأن الإنفاق على البيت لم يعد محصورا في الزوج.. وبالتالي على خطابنا الديني الأسري أن يعدّل من لازمة (كليشيه): حسن استقبال الزوجة لزوجها العائد من عمله مرهقا، والسعي للتخفيف عليه، والتزين له… فضلا عن مسؤوليتها الحصرية برعاية البيت والأولاد.. إننا نتطلع من دعاتنا الأجلاء أن يضيفوا إلى أدبياتهم هذه الصور المستجدّة عند الحديث عن الحقوق والواجبات في الحياة الزوجية..
وكلمة أخيرة إلى الزوجة، ضرورة التنبّه من أن تشعر زوجها بأنها تسلبه شيئا من سلطاته، كنتيجة نفسية طبيعية قد تمرّ بها في حال شاركت زوجها في مصروف البيت. عليها أن تحرص أكثر من قبل على قوامة زوجها وموقعه في البيت، وإلا فإنها ستستفز فيه سلوك التحطيم المعنوي، في محاولة منه للحفاظ على صورته بأنه ما زال صاحب السلطة الأعلى في البيت.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
إعلان