شعار قسم مدونات

تجليات القدس وجمالياتها عند الشاعر طلعت المغربي

مدونات - القدس
طلعت المغربي شاعر يتنفس الهم الفلسطيني، ويستنشق العبق المقدسي، تحمل قصائده رسالة للأمة مفادها أن القدس قلب ينبض في جسد كل مسلم، ودم يسري بين شرايين كل عربي. والمغربي شاعر مصري، عضو رابطة الأدب الإسلامي وعضو اتحاد كتاب مصر، له الكثير من القصائد التي تناولت القضية الفلسطينية وقد تجلت في قصائده القدس العروس، والقدس الجريح، والقدس التاريخ، والقدس الحاضر، لم يمنعه ألم الحاضر من تفاؤل الغد، وهو ما يتضح جليا من تناص القدس في عنوان الديوان "القدس عائدة لنا".
     
فالديوان يحمل فكرا راقيا يبني ولا يهدم، ويعلو بالروح ولا ينزل بالنفس، ديوان صادر عن نفس امتلأت عاطفة فياضة بالأمل والتفاؤل، واليقين بالنصر المبين ديوان يجمع بين جدلية الألم وجمالية الأمل، لا يقف عند الواقع بل يتجاوزه للمستقبل، المشرق بنور المدينة المقدسة حيث يمزج بين الجلال والجمال، جلال بيت المقدس، وجمال النص الشعري. ولا ريب أن تجربة المغربي، تميزت بجُملة من السمات التي تجعلها في الريادة، وتسمح لها أن تكون نموذجا يُقتدى به في الأدب الإسلامي، لذا تسعى هذه القراءة إلى الكشف عن تجليات هذه المدينة المقدسة وجمالياتها في النص الشعري عند المغربي، عبر محورين هما: تجليات القدس في النص الشعري عند المغربي، وجماليات القدس في النص الشعري عند المغربي.
    
أولا: تجليات القدس في النص الشعري عند المغربي

ينتقل طلعت المغربي من الواقع المرير إلى غد مشرق، ولا يقع فريسة لتشاؤم الرومنسية، أو سلبية الواقعية، وهو بهذا يسهم في ترسيخ الأدب الإسلامي الذي يزخر بالتفاؤل والأمل

لا تغيب القدس عن وجدان أي مسلم بصفة عامة، وأي عربي بصفة خاصة، فهي الهم العربي الإسلامي القابع في النفس والعقل، كيف لا وهي أولى القبلتين ومسرى النبي وثالث الحرمين، هذا بالنسبة للبعد الديني، وعلى البعد القومي فهي القضية المحورية للأمة العربية منذ عقود، وأجيال، تنبض في وجدان كل عربي حر، وتؤرق كل مسلم غيور.

     
بيد أن هذا الأرق يختلف عن الشاعر عمن سواه من الجماهير، وما سمي الشاعر شاعرا لأنه يشعر بما لا يشعر به غيره، فالأرق والقلق يحترق في عقل الشاعر، ويخترق سويداء قلبه، فينتج شعرا صادقا من خلال تجربة فنية ناضجة بالألم والأمل. وهو ما تجلى في ديوان "القدس عائدة لنا" فألم القدس الجريح يؤرق شاعرنا ويقلقه فينتج تجربة شعرية خاصة، يرسم من خلالها صورة للقدس الواقع والمستقبل، صورة تستشرف المستقبل قبل أن تنسخ الواقع.
      
ها قدْ أتينا نحمِلُ البُشرى لكم
بالفجر تملؤهُ المُنى
بالصبح
بالأملِ الوليدْ
يا قَومَنا لا تَحزنوا
سيذوب في شريان
أمتنا الجليد
سنبدِّلُ الأسياف مِنْ خَشَبٍ
بسيف ابن الوليد
حتمًا سنمحو عارنا
وَعْدًا سيرجع قُدْسنا
وغدا سنسمعُ طائر الأقصى
يُغَرِّد للدنا أحلى نشيد
سنُحقق النصرَ الأكيدْ
سنعيدُ كلَّ الأرض
نرفعُ راية الإسلامِ فوقَ ربوعها
وتعودُ شمسُ القدسِ
تُشرِقُ منْ جَديد
    
هذه الثنائية بين الأمل والألم سمة يصطبغ بها الديوان فلا تخلو قصيدة من قصائده إلا وتبث الأمل، وتدعو إلى العمل، وبذلك ينجو شاعرنا من براثن البكائية الرومنسية التي لا تكف عن ندب الحال، والصراخ بلا انقطاع، تلك البكائية التي لا تختلف عن البكاء على الأطلال قيد أنملة، فكلاهما بكاء على اللبن المسكوب، واستدعاء للماضي دون بناء للمستقبل، في حين أن شاعرنا ينطلق من جروح الواقع الغائرة، إلى إيقاظ النفوس الثائرة ليبني قُدْسا طاهرة خالية من الفساد والمفسدين.
   
سنُعيدُ جَميعَ أراضينا أوصى الأحفادَ الأجدادُ
لن يَبْقى في الأرضِ يَهودٌ لنْ يَبْقَى في الأرضِ فَسادُ
   
وتتسم المدينة المقدسة بالنور التام الذي يشرق صباحا ولا يغيب مساء، لأن زيته من دماء الشهداء الطاهرة:
   
إني سأجعلُ من دَمي
زينا لقنديل يضيء الآن درب السالكين
كي يرجع الحق السليب لأهله
كي لا نهون
كي يأمن الزيتون تقطيع الغصون
كي تنشد الأطيار حول القدس
      
هذه هي القدس غدا التي تفوح عطرا من دماء الشهداء الذين طهروها من أدران المغتصبين والمحتلين، وهكذا ينتقل شاعرنا من واقع مرير إلى غد مشرق، ولا يقع فريسة للتشاؤم الرومنسية، أو سلبية الواقعية، وهو بهذا يسهم في ترسيخ الأدب الإسلامي الذي يزخر بالتفاؤل والأمل، والذي يتخذ من الواقعية انطلاقة لبناء واقع أسمى وأرقى.
     
ثانيا: جماليات القدس في النص الشعري عند المغربي
تجلت القدس في النص الشعري عند المغربي واقعا ومستقبلا، كما تجلت تاريخا، حيث وظف المغربي التناص الديني والتاريخي للقدس في قصائده، مما حملها مضامين ثقافية وتاريخية ودينية، جعلت النص الشعري مفعما حيوية، وجعلته أكثر حوارية مع المتلقي الذي بدورة يستدعي النصوص الدينية والتاريخية ليخرج بقراءة ذاتية للنص.
      

يعد ديوان "القدس عائدة لنا" للمغربي نموذجا من نماذج الأدب الإسلامي، فالإسلام وقيمه بالنسبة للمبدع المسلم روح وفيض يغذي وجدانه، فتفيض أعماله روحا وريحانا، ويغلف هذه الأعمال الجمال السامي، والتعبير الراقي، وأطايب الكلم

والتناص يعبر في مفهومه الأدبي عن هذا الاستلهام الفكري والتوظيف الأدبي في البنية السردية للنصوص الإبداعية "ولهذا عُرف التناص بأنه إدراك القارئ للعلاقة بين نص ونصوص أخرى قد تسبقه أو تعاصره"، ومن ثَمّ فإن التناص يرصد تلك العلاقة التفاعيلية التي يقيمها النص مع غيره من النصوص الواقعة في مجاله الحواري والتي تم استدعائها معرفيا؛ "وتأسيسا على ذلك؛ فمن المفاهيم الأساسية التي يؤديها مفهوم التناص في النظرية النقدية الحديثة هي الوظيفة التحويلية والدلالية؛ إذ إن الأمر لا يتعلق بإعادة إنتاج المادة المقتبسة بحالتها القائمة الأولى؛ ولكن بتحويلها ونقلها وتبديلها" إلى فكرة وليدة وتجربة جديدة، تمتاز بالأصالة والحداثة معا، فتحمل رسالة غير نمطية.
وقد استدعى المغربي النص القرآني المرتبط بالقدس في العديد من قصائده، حتى لا تكاد تخلو قصيدة منه كقوله:

     
تبكي العيون على الأقصى ووا أسفا القدس بالسيف لا بالدمع ترتجع
فوحدوا صفكم وانسوا خلافكم هيا تعالوا إلى القرآن واستمعوا
فالله سبحانه قد قال "واعتصموا" دوما بحبلي فحبلي ليس ينقطع
          
والبيت يتناص مع قوله تعالى: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا" (آل عمران: 103)
كما لا تخلو قصائده من استدعاء الشخصيات التاريخية والمعاصرة مثل الفاروق وأحمد ياسين.
وتجدر الإشارة إلى أن المرأة المقدسية احتلت مكانة من الديوان، سواء أكانت أمًّا أو شهيدة، كما في قصيدة "بنات القدس"
     
خاتمة
يعد ديوان القدس عائدة لنا للمغربي نموذجا من نماذج الأدب الإسلامي الذي يصدر عن مبدع الإسلامي والإنساني في آن إذ يعبر عما يجول بخاطره من هموم ومهام، وآمال وآلام، فالإسلام وقيمه بالنسبة للمبدع المسلم روح تسري في وجدانه، وفيض يغذي وجدانه، فتفيض أعماله روحا وريحانا، ويغلف هذه الأعمال الجمال السامي، والتعبير الراقي، وأطايب الكلم. لكن شريطة ألا يتكلف في التعبير فيكتب عما يجب أن يشعر وليس ما يشعر بالفعل، وعندما يتكلف المبدع المسلم فيصف ما لا يشعر ويعبر عن خلاف ما يؤمن تكون إشكالية أخلاقية وفنية في الوقت ذاته، إشكالية أخلاقية لأنه يدعو إلى ما لا يعتقد وهذا ما يرفضه الإسلام جملة وتفصيلا، وقد ذم الإسلام النفاق والرياء والكذب، وإشكالية فنية لأنه تعبير زائف ينقصه الصدق الفني؛ الذي يقوم على التصوير الكامل والصادق لأحاسيس ومشاعر المبدع، ولو كانت التجربة الفنية من صرح الخيال.
   
ومع أن الإسلام يؤكد ضرورة التعبير الصادق للفن، فإنه يؤكد ضرورة الصدق الداخلي للمبدع قبل الصدق الواقعي، "وَقُل الحَقُّ مِن ربّكُم فَمَن شَاءَ فَليُؤمِن وَمَنْ شَاءَ فَليَكْفُر"، مع التسليم بأن العملية الفنية عملية ذات خصوصية وهذا ما دفع النبي عليه أفضل الصلاة والسلام أن يسأل عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ: "مَا الشِّعْر؟ قَالَ: شَيْءٌ يَخْتَلِجُ فِي صَدْرِ الرَّجُلِ فَيُخْرِجُهُ عَلَى لِسَانِهِ شِعْرًا، قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَقُولَ شَيْئًا الْآنَ؟ قَالَ: فَنَظَرَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ: نَعَمْ
      
إِنِّي تَوَسَّمْتُ فِيكَ الْخَيْرَ نَافِلَةً وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي ثَابِتُ الْبَصَرِ
ثَبَّتَ اللَّهُ مَا أَتَاكَ مِنْ حَسَنٍ تَثْبِيتَ مُوسَى وَنَصْرًا كَالَّذِي نُصِرُوا
يَا آلَ هَاشِمٍ إِنَّ اللَّهَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْبَرِيَّةِ فَضْلا مَا لَهُ غِيَرُ
     
هذا ما اختلج في صدر ابن رواحة فصاغه شعرا، ومن ثم فإن شرف الموضوع لا يغني عن شرف التعبير، وجلال المضمون لا يغني عن جمال الشكل. وهنا تجدر الإشارة إلى إشكالية تواجه الأدب الإسلامي عامة وتجلت بوضوح في "ديوان القدس عائدة لنا" وهي الخطابية والنثرية، التي تأتي نتيجة الحماس الانفعالي، وجلال الموضوع، وهو ما وقع فيه شاعرنا حيث سقط في فخ النثرية بدون قصد فصدرت أبيات هي للنثر أقرب منها إلى الشعر، ووردت ألفاظ هي للعامية أقرب منها للفصحى فعلى سبيل المثال لا الحصر، قوله: 
    
يوما سيأتي صلاح الدين ينقذنا يحرر القدس من أيدي الملاعين
يوما سيأتي صلاح الدين ينقذنا أظنه سوف يأتي من فلسطيني

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان