وبدأ المدّ يتغير في ما لا تشتهيه سفن شيامالان عقب إطلاق فيلمه بعنوان "the village". الفيلم على الرغم من أنه كان في صدارة شبابيك التذاكر فإنه تلقى ردود فعل إيجابية أقل من أفلام شيامالان السابقة، وبدى أن الفيلم قد خيّب آمال الجمهور. وكان الإجماع الشعبي في مجتمع محبي أفلام الرعب أن جعبة المخرج بدأت تنفد من الأفكار. تطور حبكة الفيلم، الذي يعتبر أحد أكبر أعمال شيامالان وأهمها، بدى خاليا من التشويق. الآن بعد أربعة عشر سنة من عرضه، يبدو فيلم "the village" أفضل فيلم لشيامالان، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن تطور الأحداث البسيط هو جزء ضروري جدا لمعناه العام.
يبرز فيلم "the village" كمحاولة مبكرة للحديث بطريقة مجازية عن النبضات النفسية التي دفعت الولايات المتحدة إلى العراق في أوائل عام 2003 |
بالمقارنة مع تطور حبكة الأحداث في فيلم شيامالان "startlet"، أو أي من أفلام شيامالان السابقة، الوحي في قصة فيلم "the village" ليس في إخفائه حقيقة الحبكة. إنما مفاجأة الشخصية الرئيسية في الفيلم التي عاشت في القرية طوال حياتها عند الكشف عن حقيقة الحبكة مثلها مثل الجمهور. والأهم من ذلك، أن عبقرية القصة تكمن في بساطتها ورمزيتها، وكيف أن الشخصيات الراشدة في الفيلم استجابت للمأساة في حياتها بالتشبث بنسخة مثالية من الماضي، وهي غريزة إنسانية يمكن فهمها، ولكنها أساس سيء للعيش. وقد اشتكى العديد من المتفرجين من أن تصوير شيامالان لحياة القرن التاسع عشر كانت مفبركة ومزورة، وهو الأمر الذي يعد بالطبع جزءا من الفكرة التي يحاول شيامالان مناقشتها.
وهذا يعد أيضا أساسا لمنصة نقاش سياسية في الفيلم، حيث أن الرجعية من جميع المشارب لا تزال تستخدم الماضي الذي لم تعايشه أبدا كتبرير لأجنداتها وأهدافها الخاصة، ووصف شيامالان "The village" بأنه فيلم ما بعد أحداث 11 سيبتمبر، ويصبح تطور حبكة الفيلم أكثر استفزازا إذا قرأت كنقد غير مباشر لحرب إدارة بوش على الإرهاب. وتؤكد المقاطع النهائية أن هذا الرهان الأميركي الزائف لا يتطلب فقط أن يبقى المواطنون جاهلون للعالم الخارجي، ولكن أن يعيشوا في خوف دائم من عدو لم يروه قط. هذه الأطروحة تضع في اعتبارنا أطروحة أخرى لآدم كورتيس في مجموعة من مقالاته الرائعة تحت عنوان "قوة الكوابيس" (the power of nightmares)، والتي بالمناسبة نشرت لأول مرة في الوقت نفسه تقريبا الذي عرض فيه فيلم شيامالان "The Village".
يبرز فيلم "the village" كمحاولة مبكرة للحديث بطريقة مجازية عن النبضات النفسية التي دفعت الولايات المتحدة إلى العراق في أوائل عام 2003. ويمتد الدافع في آخر لقطة من الفيلم؛ حيث يراقب مجموعة من سكان القرية أحد شبابها المصابين، في حين يتم إبلاغ والديه عن وفاة ابنهما في خلفية المشهد. مما يعيد إلى الذاكرة العديد من الصور في زمن الحرب حيث تبلّغ الأسر بوفاة أبنائها في حرب لا يعلمون في الأصل سبب خوضها. بمجرد الخوض في هذا الجانب من الفيلم، تصبح الحبكة أكثر ثراء. التوتر في وسط القرية ليس عن الغموض في صراع مع الواقع، أو عن الشخصيات وصراعها مع انكشاف الحقائق في تطور السرد في فصة الفيلم؛ بل حول رغبة الأم في الصراع مع استحالته. والمثير للاهتمام أن هذا الفيلم هو أحد أفلام شيامالان الذي لا تهم في النهاية حبكة قصته، فالشخصيات لا تزال تعيش في أوهامها، في حين أن الجمهور فقط هو على بينة من ما يجري.
يتم بناء وحوش الفيلم من قبل أولئك الذين في السلطة للحفاظ على انضباط العامة. نعم؛ الوحوش المختلقة خطيرة بالتأكيد، ولكن في الغالب لأنها أعطيت هذه السلطة لخلق الخوف من أولئك الذين آمنوا فعلا بوجودها. هذا ليس بعيدا جدا عن الانتقاد المعاصر آنذاك لقرار جورج دبليو بوش للدخول في حرب العراق، وكيف أنه كان يشتت انتباه العامة بأمبركا عن القضايا الحقيقية التي تتطلب إصلاحا، باستعماله وحش أحداث 11 سبمتبر/أيلول والمنظمات الإرهابية التي تسعى لتدمير أميركا كأعذار واهية.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.