تأتي الأحداث من هنا وهناك وتتراكم لتؤكد جملة من حقائق الحال التي وصل إليها ذلك النظام الفاشي للدولة البوليسية الذي انتهج سياسة تقوم على قاعدة من البلطجة السياسية -إن صح وصفها بذلك الوصف- وأظهر ذلك مختبر الانتخابات، ذلك أن الانتخابات الرئاسية القادمة كانت محط اهتمام لكثير من القوى المختلفة داخل المجتمع المصري وخارجه، وبدا للبعض أن تلك الانتخابات تشكل فرصة في الموقف السياسي لحلحلة حال الجمود الذي وصلت إليه الأمور في إطار تفرد السيسي والعسكر بالساحة السياسية بالكامل بعد قيامهم بذلك الانقلاب المشؤوم واغتصابهم السياسة ومصادرة المجال العام بالجملة، ومن هنا بدا هذا المشهد الانتخابي مختبرا جيدا لحال المنظومة الانتخابية التي لا ترى في السياسة ميدانا ولا في العمل المدني أهمية، فقد قررت أن تعسكر المجتمع وتقوم بكل ما من شأنه تحويل المجتمع بأسره إلى معسكر كبير تصدر له الأوامر ويطيع بلا معقب، يدخل بيت الطاعة إكراها ولا يستطيع إلا تنفيذ الأوامر والعمل بها.
ومع ذلك فإن الحال الانتخابية الرئاسية -والتي جرت قبل ذلك بانتخابات في 2014- جرت تلك الانتخابات في مسرحية هزلية وفي وجود محلل اشتهر بلقب الكمبرس حتى يطفى شرعنه على تلك الانتخابات ويقدم مسوغا لنتائجها التي في حقيقة الأمر لا يمكن تسويفها، كانت تلك الانتخابات مسرحية هزلية بالكامل في إطار إجرائها وفي إطار عمليات التصويت التي مُددت يوما ثالثا من غير مسوغ ولا مبرر قانوني، ومع ذلك ظل هؤلاء يتحدثون عن شكل انتخابات وما هي بالانتخابات، لكن بعد أربع سنوات -واستعدادا لانتخابات أخرى في العام 2018 في حقيقة الأمر- نقول: إن تلك الانتخابات حولت مما يسمى بانتخابات الرئاسة الهزلية إلى انتخابات الرئاسة القسرية.
من بلطجة ذلك النظام "المصري" أنك لا تعرف بحق ماذا يريد من تلك الحالة الانتخابية، فلا هو يرضى بالمشاركة ولا هو يرضى بالمقاطعة |
وبدت المهزلة الانتخابية في شكلها المستجد في انتخابات قسرية في إعلان مرشحين استطاعت العصابة -عصابة العسكر- أن تدير الأمر بشكل خطير لتحدد إقامة وتعتقل الباقين وتعتقل كل من شاركهم، لنجد في النهاية المرشحين المختطفين قسريا رهن الإقامة الجبرية والاعتقال، بل إن البعض وقد اعتقد أننا نتحدث عن لفظ البلطجة هنا بشكل مجازي ولكننا في الحقيقة نتحدث عن أعمال العصابات والبلطجة على نحو حقيقي؛ تصادر كل شيء ويخرج من جرابه جماعة البلطجية ليقوموا بأدوارهم التقليدية حتى أن هؤلاء اعتدوا على أحد هؤلاء الذين كانوا في فريق أحد المرشحين، وبدا الأمر في خطورته يعبر عن حالة غير مسبوقة باستخدام أدوات البلطجة في فجاجة، وبجاحة من النظام البلطجي من دون تردد وبدون أي استخفاء، واتضحت الأمور بعد ذلك لتجعل ذلك الميدان الذي يتعلق بالانتخابات ميدانا للاختفاء القسري أو التصفية المعنوية ودخلنا في دوامة لا نهاية لها.
حتى أن تلك الانتخابات -لو كان لها نصيب من ذلك الاسم- تحولت إلى حالة استفتائية على شخص واحد، وحينما رأى من يساندونه في بلاد الغرب ومن كل صوب وحدب أن هذا أمر فاضح بكل المعايير لا يمكن تغطيته ولا يمكن تمريره؛ بدا لهم أن يبحثوا عن شخص آخر يقوم بدور التيس المستعار الذي يمثل دور المنافسة في انتخابات حسمها السيسي في مبارة للمصارعة الحرة، بلطج فيها ما بلطج واستخدم فيها كل اسلحته غير المشروعة ووضع كل خصومه في السجون، سواء من أراد أن يدخل الانتخابات ويترشح أو من طالب بمقاطعة الانتخابات.
ومن بلطجة ذلك النظام أنك لا تعرف بحق ماذا يريد من تلك الحالة الانتخابية ، فلا هو يرضى بالمشاركة ولا هو يرضى بالمقاطعة، وإذا أردت أن تلحظ أي تهم يمكن أن توجه إلى هؤلاء فإنها تهم شبيهة بتهم التحريض وتهم تصنيع وتضخيم الأزمات واستهداف نظام الدولة، ويتساءل البعض بحق أين الدولة وأين السياسة و أين الانتخابات؟ في حقيقة الأمر لا نرى سوى عصابة تحكمت واختطفت وطننا بأسره وشعبا بأسره واختطفت السياسة واغتصبتها أمام أعين ومرأى الجميع، وها هي تجعل من كل من تجرأ وترشح، وكل من ترجأ وأعلن المقاطعة معتقلا وتضعه في غياهب المعتقلات والسجون.

يكفي المشهد الانتخابي وحده ليدين هذا النظام ليعلن رأسه الانقلابي أنه ليس بالسياسي، فماذا هو؛ إن كان لا يهتم بالسياسة أو بشأن السياسة وهو يتولى جبرا وقهرا منصب رئيس الجمهورية بعد أن اختطف رئيسا شرعيا منتخبا وقام بكل عمل يؤكد فاشية النظام ويؤكد ممارسة سياسة البلطجة والطغيان؟
يقوم بكل ذلك في أجواء يصطنعها -أجواء حرب- يسمها حربا على الإرهاب وهي في حقيقة الأمر مع مجرى تلك المعركة والحرب، تتبين بعض أهدافها في تفريغ سيناء من سكانها خاصة هذا الشريط الحدودي مع الكيان الصهيوني، وفي تلك الساعة التي نكتب فيها تم تفريغ السكان في منطقة رفح بما يقرب من 15 كيلوا مترا من الحدود؛ لتبدو هذه الأمور مشبوهة، خاصة مع تصاعد وتيرة تصريحات أميركية وإسرائيلية كلها تشير إلى هذا التفريغ لأغراض مختلفة؛ لتوطين بعض الفلسطينيين في هذه الأرض فيما سمّوه صفقة القرن، في ظل هذه الأجواء من إرهاب محتمل، ومن معارك مصطنعة ومن إعلان لحالة الطوارئ -ومن ترزيه-، وبلطجية القوانين الذين أخرجوا حزمة من قوانين التخويف والترهيب لصناعة جمهورية الخوف، ومن صناعة الترويع إلى صناعة التجويع في كل هذه الأجواء ستكون هناك ما تسمى بالانتخابات وما هي بالانتخابات.
انتخابات قسرية اختطف فيها كل مرشح ودفع الأخرون إلى الانسحاب ووضع من نادى بالمقاطعة بالسجون، فأي انتخابات تلك؟ إن هذا المشهد وحده برصد كل فصوله ومشاهده وما وقع فيه إنما يشير بحق إلى عنونة تلك السلسلة التي سنقوم بكتابتها حتى تحل علينا تلك الكارثة المسماة بالانتخابات التي اصطنعها السيسي على عينه بأجهزته الفاشية والعصابية والبلطجية، فهل من حق شخص كهذا أن يحكم؟ وهل يكون من الضروري أن نضع له كل لوائح الاتهام لنقول له قولة واحدة من كل من يريد انقاذ وطن وشعب: ألا أيها البلطجي وجبت محاكمتك لا طلبك للرئاسة "يتحاكم لا يحكم".