مثل كرة الثلج حروب الشرق الأوسط، كلما تدحرجت ازداد حجمها وازدادت مخاوف من حولها، وبقيت بلا عقدٍ لتكون لغزا صعبٌ حله. تزداد الأزمات، وتتحلل عقد علاقاتها، وتتسع فجوات الحوار من أجلها، وتتنافر مصالحها دون نقطة التقاء لإنهائها.
يأتي إسقاط طائرة 16 "الإسرائيلية" وقبلها الروسية والتركية مثالا حيا لكرة الثلج التي لا تأبه لأحد، لكنها هذه المرة لم تنزلق بشكلٍ سريع لتكون إنذار خطر لكل من شاهد وتفوه بكلمة وشارك بشكل مباشر في الالتحام معها، لم تكن لتعلن الحرب، لكن معتلي قمم الجبال يتبادلون الرسائل فيما بينهم. فما هي الرسائل؟ ومن مرسلها؟ ومن مستقبلها؟
روسيا
تلقت روسيا رسالة مباشرة من أمريكا بعد إسقاط طائرة سوخوي 25 في سماء إدلب السورية، فما لبثت موسكو أن ردت بإسقاط الطائرة "الإسرائيلية" في رسالة تحذيرية لواشنطن تفيد بأن تغيير قواعد الاشتباك على الأراضي السورية سيتم فرضه على كل المنطقة، واستهداف الطائرات الروسية لن يقابله حرج باستهداف طائرات "إسرائيل" حليف أمريكا، وبدا جليا ذلك في تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي دعا لاحترام السيادة السورية، وأن لسوريا الحق في الدفاع عن نفسها، مكتفيا بدعوة الجميع لضبط النفس، ليظهر معها التنسيق المسبق في اتخاذ قرار إسقاط الطائرة التابعة لسلاح الجو "الإسرائيلي".
إيران
لا شك أن واشنطن في مأزق بعد تراجع سياستها، ويدها الطولى قد لويت، خاصة بعد التمدد الروسي الإيراني في المنطقة، لذا ترى أن قوتها العسكرية ستشق طريقا جديدا لها في فرض هيمنتها
لم تفوت طهران فرصة التقاء أهدافها مع أهداف موسكو في قطع الطريق أمام واشنطن و"تل أبيب" وإبعادهم عن الساحة السورية، بل وتحقيق عنصر الردع ضد "إسرائيل" بإسقاط طائرتها، وكذلك بعث رسالة مختصرة لأمريكا التي تسعى إلى إعادة صياغة الاتفاق النووي، وأن أي تغيير في صياغته سيكون مكلفا كثيرا.
بل ذهبت لأبعد من ذلك في إعادة مصطلح "محور المقاومة" من جديد الذي تناسته الشعوب بعد خوضها حروبا ضدها في سوريا والعراق واليمن، في محاولة منها لفرض نفسها كقوة إقليمية لا يمكن الاستهانة بها، وفِي هذا رسالة لـ"تل أبيب" أنه لم يعد بمقدورها تسيير ما تريد في ظل تواجد حلف يقف في وجهها.
أمريكا و"إسرائيل"
أمريكا و"إسرائيل" تقترنان ببعضهما لأن مصيرهما سيكون واحدا. لا شك أن واشنطن في مأزق بعد تراجع سياستها، ويدها الطولى قد لويت، فأصبحت قراراتها محل نقاش؛ لا تستطيع فرضها وغير قادرة على محورة دفة الحروب كما تشاء، خاصة بعد التمدد الروسي الإيراني في المنطقة، وجعل تركيا أحلامها سرابا في إنشاء وطن قومي للأكراد عبره تحافظ على تواجدها ونفوذها؛ لذا ترى أن قوتها العسكرية ستشق طريقا جديدا لها في فرض هيمنتها تماثلا لما نتج عن الحرب العالمية الثانية، ومناوراتها العسكرية مع الاحتلال الصهيوني، بالإضافة لإعطاء الأوامر بإعادة تأهيل السلاح النووي الأمريكي.
فعلى المستوى البعيد، ترى واشنطن أن هذا هو الحل في حين عدم تمكنها من تجديد سياسة الاحتواء، وترميم العلاقات التي بدأت فصولها بزيارة المنطقة التى ينفذها تيلريسون وزير خارجيتها، في محاولة لرسم مسارات جديدة، وخاصة مع أنقرة بعد توتر العلاقات بينهما منذ انقلاب 15 تموز مرورا بدعم الحركات الكردية المسلحة التي تعتبرها حركات إرهابية، وليس انتهاءً بإسقاط المروحية التركية.
لا يمكن عدم الحديث عن فلسطين المحتلة وجعلها في منأى عن الأحداث الدائرة، فتعتبر محور المعادلة في المنطقة لعدم وجود توافق إقليمي ودولي بشأن قضيتها، وخاصة أن الاحتلال الصهيوني على أراضيها جزء من الصراع الدائر، وبعض الأطراف الأخرى في حالة غير توافقية معه كإيران.
فأين ستكون فلسطين مع تطور الأحداث مستقبلا إذا وصلت لحرب شاملة؟
لا شك أن المقاومة الفلسطينية ستؤيد وتشجع كل بندقية تُصوب باتجاه الاحتلال، وفي حال اتسعت دائرة الصراع مع الاحتلال ستكون جزءا منها، وستنخرط في عمليات مشتركة ضده، وظهر جليا ذلك بتأييدها ومباركتها لإسقاط الطائرة، بل وإعلان بعض فصائل المقاومة ومنها القسام الاستنفار والاستعداد لاحتمالية أي ضربة مفاجئة لقطاع غزة، فنتائج أي حرب واسعة سيكون أثرها الكبير على فلسطين بمشاركتها أو بدونها، لذا ترى نفسها أن تكون جبهة قوية وعنصرا فعالا في ضرب احتلال لطالما واجهته منفردة في صد عدوانات عدة.
ربما التعبير الذي وصفه الإعلام "الإسرائيلي" لأزمة إسقاط الطائرة بأنها "أكثر من مجابهة، وأقل من حرب"، يعتبر من أدق ما كتب عن تشريح التصعيد الذي يعتبر مقدمة لحرب قادمة ستكثر التفاصيل قبل وقوعها؛ من محاولات لتفاديها عبر ترقبٍ حذر، وجولاتٍ دبلوماسية لتفاديها بالتزامن مع سعي كل طرف للحفاظ على نفوذه وإمكانية فرض تفوقه العسكري.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.