شعار قسم مدونات

حرب الديناصورات

blogs المدرب رافا

"في أول لقاء بيننا، ترك كل شيء، وبدأ يشرح لي طريقة لعب 4-4-2. لقد وجد الأمر ملحا بأن أكون قريبة من هذه اللعبة، حتى أصبح أقرب إليه على المستوى الشخصي"، تقول زوجة رافا بينيتيز هذا التصريح عند حديثها عن الجانب الآخر في حياة المدرب الإسباني. متفهم جدا تصريح هذه السيدة، لأن زوجها من الأشخاص الذين يتفننون في التخطيط الذي يصل إلى حد التعقيد، وسواء اتفقنا على أسلوبه أو اختلفنا، يبقى أحد أهم المدربين في الألفية الجديدة، قياسا بما قدمه مع فرق فالنسيا وليفربول.

 

عاد الشامبيونزليغ إلى الواجهة هذا الأسبوع، لا يوجد أجمل من لمس ذات الأذنين، وليس هناك أشهر من نهائي إسطنبول 2005 بين ليفربول وميلان. وقتها تقدم النادي اللومباردي بثلاثية نظيفة، قبل أن يقلب زعيم ميرسيسايد الطاولة على الجميع، وينجح بينيتيز في إجراء عدة تغييرات داخل الملعب، ليقدم فريقه مباراة مثالية وينجح في العودة بالنتيجة.

 

بدأ الليفر هذه المباراة بألونسو أسفل الدائرة أمام رباعي الدفاع، بينما جيرارد كلاعب وسط متقدم خلف ثنائي الهجوم، مع فتح الأطراف بالثنائي جارسيا وريزا بين العمق والجناح. يعطي هذا التوجه أريحية هجومية، لكن زادت المساحات في وبين الخطوط، ليستغلها فريق أنشيلوتي ويسجل ثلاثة أهداف. هنا لم يقف رافا صامتا، ليقدم ملحمته التكتيكية الخالدة على طول الخط، بعد أن أشرك الارتكاز هامان مكان الظهير الأيمن فينان، ليتحول سريعا من رباعية الدفاع إلى رسم قريب من 3-4-2-1.

 

رحلة المدرب رافا غريبة بعض الشيء، فقد فشل في إنتر وفترة قصيرة مع تشيلسي ونابولي، ثم سقوط حر رفقة الملكي المدريدي، نهاية بتواجده في الدرجة الأولى الإنجليزية مع نيوكاسل

ملعب كرة القدم بمثابة رقعة الشطرنج، هل يقوم اللاعب بتحريك قطعة دون تفكير؟ هل تحريك القطعة دون عمل حساب الخصم يعتبر نجاحا؟ بكل تأكيد كل هذه الإجابات ستكون لا، وكرة القدم كذلك. لذلك وضع الإسباني لاعبه جيرارد في الأمام، للاستفادة من سرعته واندفاعه، مع تثبيت ألونسو خلفه لبناء الهجمة بسهولة، ولكن بدون تحريك قطعة ثالثة، لحماية أول قطعتين، لكان الليفر في عداد الموتى.

 

جاء رافا بديدي هامان ووضعه كارتكاز صريح، كل مهمته حماية ألونسو وجيرارد، وفي نفس الوقت يشكل ثنائية دفاعية مع سامي هيبيا عند الحاجة، حتى يصبح تراوري وكاراغر في وضع أقرب للأطراف، من أجل صعود ريزا وسميتشر إلى دور الأجنحة الصريحة، وشغل أكثر من جبهة هجومية بالثلث الأخير. حظ، نصيب، استهتار ميلان، كلها أمور تم ذكرها، قد تكون صحيحة، وقد تكون خاطئة، لكن علينا احترام هذه المعلومة المؤكدة، بأن بينيتز يستحق لقب أستاذ ورئيس قسم بعد تلك اللحظة التاريخية.

 

رغم كل ما حققه قبل 2010، إلا أن رحلة هذا المدرب غريبة بعض الشيء، فشل في إنتر وفترة قصيرة مع تشيلسي ونابولي، ثم سقوط حر رفقة الملكي المدريدي، نهاية بتواجده في الدرجة الأولى الإنجليزية مع نيوكاسل، وصراعه الحالي للابتعاد عن شبح الهبوط. بالتأكيد الجانب المالي مهم في المعادلة، إدارة "الماكبايس" بخيلة، لا صفقات ولا انتدابات، لكن حتى مع توفر هذه الأمور في محطاته السابقه، لم يقدم رافا ما يشفع له، لأنه لم يتطور ويواكب التطورات الجديدة في عالم التكتيك.

 

المدرب مثل اللاعب، عليه ألا يقف عند حد معين، ميسي بكل ما يملك من موهبة، يتدرب يوميا على تعديل "ديفوهاته"، لقد أصبح أفضل مسدد للركلات الحرة، رونالدو أيضا مع كبر سنه وقلة حركته، تحول إلى رأس حربة صريح داخل الصندوق. كما يفعل هؤلاء اللاعبون، فإن المدراء يجب عليهم تطوير أفكارهم. لا يتعلق الأمر بالأسلوب، الأقرب إلى الخط الأحمر، بل بالأنظمة والخطط وإستراتيجية اللعب، وهذا ما ينقص بينيتيز بالفترة الأخيرة.

 

الدفاع اختيار، مثل الهجوم، ليس بالضرورة أن يتحول المدرب من نسخة متحفظة إلى أخرى أكثر مبادرة، لكن عليه تحسين قدرته في الشق الذي يجيده، ووضع خطة معاكسة عند الحاجة، تظهر كحل بديل في فترات الطوارئ. رافا توقف عند حد معين؛ الدفاع وإغلاق المباريات وتقليل الفراغات، عوامل أساسية واحتياطية في نفس الوقت، مما جعله يفقد قدرا من توازنه في الفرق الكبيرة، ليجد نفسه فيما بعد مع نيوكاسل، يصارع شبح الهبوط.

 

يتفوق بينيتيز على مورينيو في معظم صراعات الثنائي، خصوصا في فترة التنافس الرهيب بين ليفربول وتشيلسي بدوري الأبطال سابقا. أسباب تألق الإسباني أمام البرتغالي واضحة، رجل متحفظ مثله، يعرف كيف يغلق الفراغات جيدا، ويجيد بشدة سياسة رد الفعل، لدرجة أن جوزيه نفسه وصفه بالممل في حوار سابق. المدير الفني الحالي لليونايتد يبدو عاجزا أمام الفرق التي تنسخ طريقته؛ الدفاع أولا وثانيا وثالثا، وانتظار الخطأ للتهديف، إنه ليس ببعيد عن دورة حياة الإسباني السمين (اللقب المحبب للجماهير الإنجليزية عند تسمية رافا)، من بطل للشامبيونز إلى مجرد ديناصور يعيش على أمجاد الماضي.

 

يعيش جوزيه أزمة كبيرة على مستوى الخروج من عباءة التحفظ والخوف من الخسارة، لكنه يتفنن في الهروب من ذلك بذكائه الحاد، وقوة أحاديثه الصحفية، وصراعاته الإعلامية التي لا تتوقف أبدا
يعيش جوزيه أزمة كبيرة على مستوى الخروج من عباءة التحفظ والخوف من الخسارة، لكنه يتفنن في الهروب من ذلك بذكائه الحاد، وقوة أحاديثه الصحفية، وصراعاته الإعلامية التي لا تتوقف أبدا
 

فيلسوف الكرة، خورخي فالدانو، له وصف مثالي لشرح حالة بينيتيز ومورينيو على حد سواء. يقول الأرجنتيني في حواره مع غارديان عام 2007، بينيتز ومورينيو لديهما نقص في الإبداع، حياة كل منهما تقاطعت في عالم مراقب من الإعلام، لهذا ينظران لبعض بعدم ثقة، مع شيئين مشتركين؛ جوع للنجاح والتألق لم يستطيعا الوصول إليه في فترة لعبهما داخل الملعب، والرغبة في أن يكون كل شيء تحت السيطرة. هذان العاملان ينبعان من أن الإثنين لم ينجحا كلاعبين، لينتقل التركيز والغرور نحو التدريب. الذين لم يتألقوا كلاعبين سابقين لا يرون الموهبة في اللاعبين، ولا يثقون في قدرتهم على الارتجال ليحققوا الفوز.

 

يعيش جوزيه أزمة كبيرة على مستوى الخروج من عباءة التحفظ والخوف من الخسارة، لكنه يتفنن في الهروب من ذلك بذكائه الحاد، وقوة أحاديثه الصحفية، وصراعاته الإعلامية التي لا تتوقف أبدا، ليتم وضعه دائما داخل بؤرة الحدث. الكاريزما جزء رئيسي في الهالة المصنوعة حوله، بالتحديد هذا ما يضعه فوق بينيتيز، الضعيف تماما في مثل هذه الأمور، لدرجة عدم تحمله الضغوطات في البرنابيو وإقالته سريعا، فيدرب الأول مانشستر يونايتد وينافس على اللقب، أما الآخر يتولى قيادة نيوكاسل ويسعى للبقاء.

 

لن ينتهي الحال بمورينيو في فريق ضعيف مثل خصمه وعدوه اللدود، لكن عليه تحديث أفكاره وتوجيهها لتناسب التحديات الجديدة، فالكرة التي قدمها في 2010 وجلبت له الثلاثية مع إنتر، ليست بالضرورة أن تكون كافية لتكرار المجد في 2018، خصوصا مع ظهور نماذج شبيهة كتجربة سيميوني وأتليتكو. على الرجل الخاص إدراك ذلك قبل فوات الأوان، وإلا ستكون أقصى أمانيه تدريب فريق بالدوري الفرنسي، أو الهروب نحو قيادة منتخب ما!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.