شعار قسم مدونات

مصر تحب الإرهاب

مدونات - إرهاب

(1)

"الناس جميعهم قلقون لأجل الحد من الإرهاب. حسنا، أعرف حلا سهلا للغاية: توقفوا عن ممارسته!"

(الفيلسوف الأمريكي نعوم تشومسكي)

     

(2)

تزامنا مع ما يُسمى بـ"العملية الشاملة.. سيناء 2018″ للقضاء على ما يُسمى بـ"الإرهاب" في سيناء، تصدر وسم "مصر تسحق الإرهاب" موقع التدوينات القصيرة "تويتر". وبالطبع نعلم أن الشعار الرسمي لدولة 3 يوليو كان ولا يزال "مصر تحارب الإرهاب". فهل تكره مصر الإرهاب فعلا وتريد سحقه؟

   

(3)

"أنا عارف أني قاعد شوية كتير في القضية دي، وماليش غير طلب واحد.. عايز أشوف مراتي وأولادي وأكلم والدتي، وأتنقل من السجن ده لأي سجن تاني فيه ناس"

(محمد القصاص لرئيس نيابة أمن الدولة العليا)

       

لكل نتيجة مقدمات، و"الديب" الذي شاهدناه في إصدار داعش يتوعد بقتل الجنود في سيناء، لم يكن إلا نتيجة لتلك المقدمات

قبل ساعات قليلة من انطلاق "العملية الشاملة" في سيناء، كانت تستعد قوات الأمن الوطني لتنفيذ "عملية شاملة" موازية على منزل محمد القصاص، نائب رئيس حزب مصر القوية. اقتحم أبطال العملية منزل القصاص، وعبثوا بمحتوياته، ومنعوا ساكنيه من دخوله، قبل أن يعتقلوا القصاص نفسه. وإذا كان كل هذا الإجرام قد حدث ضد قيادي بحزب قانوني حصل رئيسه على أكثر من 4 ملايين صوت في انتخابات 2012 الرئاسية، فبإمكانك أن تتخيل ماذا يحدث لمن هم أقل شهرة منه والذين تستهدفهم الداخلية بعملياتها "الشاملة".

      

(4)

أكثر ما لفت نظري في قضية عمر الديب، وقصة ظهوره في إصدار "داعش" الأخير، الاندهاش غير المفهوم الذي سيطر على تعليقات الأصدقاء على فيسبوك، وكأن قتل الديمقراطية واغتيال السياسة ونبذ الحوار واغتصاب المجال العام وتأميم القضاء والسلطة التشريعية والتوسع في سياسات التصفية الجسدية والإخفاء القسري والتعذيب يمكن أن ينتج شيئا آخر!

     

لكل نتيجة مقدمات، و"الديب" الذي شاهدناه في إصدار داعش يتوعد بقتل الجنود في سيناء، لم يكن إلا نتيجة لتلك المقدمات، صحيح أن هذا لا ينفي عنه صفة الإجرام التي أضحى عليها، لكن قراءة وفهم سياق هذا التحول وما دفعه إلى ذلك أمور غاية في الأهمية. يمكنك أن ترى هذا تبريرا بالطبع، لكني أراه تفسيرا.. وفقط.

     

ولنكن عمليين.. تخيل أنه جرى اعتقالك بشكل عشوائي لأي سبب من الأسباب، وفي سبيل انتزاع اعترافات منك بارتكاب جرائم لا تعرف عنها شيئا جرى تعذيبك واغتصابك في حبسك الانفرادي، وتشرد أهلك وتم تهجيرهم قسرا، وحينما وقفت أمام القاضي تشكو له كل تلك الجرائم ليأخذ حقك وجدته يجدد حبسك ولا يهتم لأمرك. بعد كل ذلك، خرجت من السجن كما دخلت لا تعلم سبب اعتقالك أو الإفراج عنك، وأردت الانتقام ولم تجد سوى هذا التنظيم المتطرف الذي يستقطب الشباب الذي كفر بالحياة في المعتقلات قبل أن يكفر بالعمل السلمي. صف لي شعورك عندما تقرأ في اليوم التالي خبرا عنك باعتبارك "الإرهابي" الذي فجر هنا وهناك! وهكذا، نحن كمواطنين، نقرأ يوميا عشرات الأخبار عن عمليات الإرهابيين، لكن لا أحد يخبرنا لماذا أصبحوا إرهابيين!

   

(5)

"فتحوا الباب ورموا شابا كأنه شوال بطاطس، غرقان مية من ساسه لرأسه، وجسمه مثلج. كان فيه بطانية مرمية في الأوضة، قمت أغطيه بيها اكتشفت أنه عفروتو. كان بيقول: أنا تعبان، أنا حاسس إني باموت، عاوز أعمل حمام. نادينا على الأمناء وقلنا لهم: عفروتو بيموت، قالوا لنا: سيبوه يموت!"

   

صدري واجعني قوي مش قادر أتنفس.. كانت آخر جملة قالها عفروتو. صرخت «إلحقونا فيه واحد بيموت». انفتح باب «الثلاجة» ليظهر مرة أخرى أمين الشرطة «أبو أدهم» ليسأل عفروتو «إيه.. وجعك صدرك؟» وعندما هز عفروتو رأسه بالإيجاب، وجه أمين الشرطة ركلة قوية إلى صدر عفروتو ليموت في الحال"

(من شهادة سجين على وقائع مقتل محمد عبد الحكيم الشهير بـ"عفروتو" داخل قسم المقطم)

         

يمكنك الاطلاع على عشرات التقارير التحليلية المرعبة عن التعذيب في السجون المصرية وكيف أصبحت مصنعا لإنتاج التطرف، لتتأكد بنفسك أن مصر تحارب الإرهاب
يمكنك الاطلاع على عشرات التقارير التحليلية المرعبة عن التعذيب في السجون المصرية وكيف أصبحت مصنعا لإنتاج التطرف، لتتأكد بنفسك أن مصر تحارب الإرهاب
     

(6)

"ولا يزال الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي تولى السلطة بعد انقلاب يوليو 2013، يحكم مصر بطريقة استبدادية؛ فالمعارضة السياسية غير موجودة تقريبا، ويواجه كل من الناشطين الليبراليين والإسلاميين السجن والعقوبات الجنائية، ولا يزال الإرهاب مستمرا بلا هوادة في شبه جزيرة سيناء، على الرغم من استخدام الحكومة لتكتيكات عدوانية وغالبا ما تكون فاسدة لمكافحته"

(من تقرير منظمة فريدوم هاوس لعام 2018 عن "الحرية في العالم")

   

(7)

"نحن الذين أجبرنا الجنرالات على القيام بحربهم القذرة، وكل ذلك من أجل المال، من أجل استمرار سيطرة المافيا السياسية والعسكرية على النفط والاقتصاد الجزائري.. كنا نشعر أننا كلما حاربنا الإرهابيين أكثر عددهم يزداد، ففي البداية تحدث القادة عن 2000 رجل ثم 5000 ثم 10000 وهكذا كلما نقتل ازداد عدد الإرهابيين.

   

وتحول الجيش إلى "الشركة الوطنية لتكوين الإرهابيين"، هذه الشركة كانت المعتمد الرئيسي في توليد الإرهابيين، فسلوك القتال الذي فرضه الجنرالات على القوات الخاصة أحدث فجوة بين السكان والجيش، لأن المستهدف لم يكن الإرهابيون فقط، فاضطر كثير من الشبان الجزائريين إلى حمل السلاح دفاعًا عن أسرهم، وأخذ الانطباع يكبر لديّ كضابط أن الجيش يدفعهم عمدا إلى صفوف المقاتلين"

(من نص شهادة حبيب سويدية، ضابط سابق في القوات الخاصة بالجيش الجزائري، على العشرية السوداء، كما أوردها في كتابه "الحرب القذرة")

   

يمكنك الاطلاع على عشرات التقارير التحليلية المرعبة عن التعذيب في السجون المصرية وكيف أصبحت مصنعا لإنتاج التطرف، لتتأكد بنفسك أن مصر تحارب الإرهاب، كما كانت تحاربه الجزائر في تسعينيات القرن الماضي!

   

(8)

"الشمولية الحديثة هي عملية تأسيس حرب أهلية قانونية من خلال تطبيق "حالة الاستثناء"، بما يتيح التصفية الجسدية ليس فقط للخصوم السياسيين، بل لشرائح كاملة من المواطنين تعتبرهم السلطة، لسبب أو لآخر، غير قابلين للاندماج في النظام السياسي"

(الفيلسوف الإيطالي جورجو أجامبين – من كتاب "حالة الاستثناء")

   

(9)

مصر التي نحياها بعد تنحي مبارك لا تحارب الإرهاب ولا تراه عدوا من الأصل، إنها لا تعرف صديقا سواه ولا تستثمر في شيء مثلما تستثمر فيه، يحكم رئيسها بشرعية "حالة الاستثناء"، وهو لم يتمكن من الهيمنة الفعلية إلا بالمجازر التي كانت ضرورية لخلق مقدمات هذه الحالة، والإرهاب وحده هو الذي يُبقي على نظامها "الاستثنائي" الذي يسوق فشله على أنه إنجازات، ويسرق من جيوب الناس باسم الضرائب، ويبيع الأرض ويقتل من يشاء بحجة الحفاظ على الأمن القومي، وتوغل المتطرفين في سيناء وقلب القاهرة -على عكس ما يعتقد البعض- لا يزيده إلا قوة.

   

undefined

   

مصر السيسي تحب الإرهاب، وهي من اخترعته، وإذا استسلم لها، ستعيد اختراعه. انظروا إلى حلفاء مصر الآن؛ ترامب! محمد بن سلمان! محمد بن زايد! مجموعة حمقى أوغاد لا يبالون ما إذا كان ضحاياهم بالآلاف أو الملايين، وعلى دربهم يسير وغدهم.

    

(10)

"مصر دولة سلام لا تحب العنف والإرهاب"

(عبد الفتاح السيسي – أكتوبر 2016)

   

ولأن مصر دولة سلام لا تحب العنف والإرهاب، أرادت توصيل رسالة لكل المؤمنين بالديمقراطية والعمل السلمي، واعتقلت القصاص؛ أحد أبرز رموز الشباب المؤمنين بالتغيير الديمقراطي السلمي، ثم أطلقت نكتها السمجة باتهامه بالتخطيط لعمليات إرهابية أثناء الانتخابات، وحبسته بزنزانة انفرادية بسجن العقرب شديد الحراسة.

   

ولأن مصر دولة سلام لا تحب العنف والإرهاب، اعتقلت الصحفية أسماء زيدان بتهمة إهانة رئيس الجمهورية، وعندما وجدت أنه من العيب حبس صحفية بهذه التهمة، لفقت لها تهمة "تعاطي مخدرات" وأصدرت حكما بحبسها 5 سنوات.

   

ولأن مصر دولة سلام لا تحب العنف والإرهاب، اعتقلت إسماعيل الإسكندراني؛ أحد أهم الباحثين في الشأن السيناوي. ولأن مصر دولة سلام لا تحب العنف والإرهاب، اعتقلت وأرهبت جميع منافسي رئيسها في الانتخابات. ولأن مصر دولة سلام لا تحب العنف والإرهاب، ساوت بين عقوبة التظاهر بدون ترخيص وعقوبة قتل وخنق 37 مواطنا داخل سيارة ترحيلات. 5 سنوات للمتظاهر و5 سنوات لقاتل 37 إنسانا. ربما يكون تصريح السيسي السابق أكثر التصريحات الدقيقة التي قرأتها في حياتي، فقط إذا حذفنا منه "لا"!

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان