ينسب الكثيرون تأسيس اليمن الحديث إلى الإمام يحيى بن محمد حميد الدين، الذي ورث نفوذ والده في التمرد على الوجود التركي، وكانت بداية ينابيع تأسيس اليمن الحديث صلح دعان بين الإمام يحيى والأتراك عام 1911، أي قبل ثورة فبراير بـ100 عام، والذي بموجبه اعترف الإمام يحيى بتبعية اليمن للدولة العثمانية، وبالمقابل مقابل الاعتراف بزعامة الإمام يحيى الدينية وبعض النفوذ كجباية الزكاة والقضاء.
لم يلبث الإمام كثيرا حتى ظفر بالاستقلال التام عن الدولة العثمانية في العام 1918، حيث كان الإمام يطمح إلى توسيع نفوذه وتوحيد كل ما كان يعرف باليمن الكبير، حيث كان يخطط لضم تهامة وجيزان من الأدارسة وتوسيع حدود مملكته لتشمل جنوب اليمن الذي كان مقسما إلى مشيخات وسلطنات تحت الحماية البريطانية.
تفجرت ثورة فبراير 2011 واستطاعت تحقيق نتائج طموحة كالانتخابات والحوار والدستور ومشروع اليمن الاتحادي، غير أن الثورة لا تزال في مرحلتها الثورية كون مطالبها لم تتحق بعد |
وبالنظر إلى رحلة اليمن الحديث خلال المئة عام التي تسبق ثورة فبراير، يمكن ملاحظة انقسامها إلى قسمين رئيسين؛ القسم الأول: الاستقلال من الوجود التركي في العام 1918، إذ كانت هذه أول الينابيع التي تفجرت منها ثورة فبراير لاحقا، كونها كرست المفهوم الوطني القومي المناهض للوجود التركي والباحث عن ذاته الوطنية، وشجع على ذلك طموح الإمام يحيى إلى إعادة توحيد كل تراب الأرض اليمنية التاريخية.
ولكن الاستقلال عن الوجود التركي لم يرض طموح الجماهير كونها لم تلمس ثمار ذلك الاستقلال، وكون النظام الحاكم الجديد يعمل على تحسين الظروف المعيشية للبلاد، بل تعامل معها على أنها تركة لا بد من استغلالها، ولم يكن متفرغا إلا لفرض الإتاوات وخمد القلاقل والتمردات هنا وهناك مستغلا بذلك الدين لمصلحته، وكذلك الوضع في الشطر الجنوبي من الوطن الذي لم يكن بأحسن حالا من الشطر الشمالي، حيث عانى من سياسة التفرقة بين السلطنات التي انتهجها الاستعمار البريطاني حتى تنشغل بنفسها عنه.
وجاء منتصف رحلة اليمن الحديث بثورة 26 سبتمبر 1962 التي أنهت الحكم الإمامي وأقامت نظاما جمهوريا لطالما تطلع إليه أبناء الوطن، الذين اندفعوا بكل ثقلهم لاحتضانه بعد عدة محاولات سابقة، كونهم أدركوا أن محاولة تغيير الحكم لا بد أن تكون جذرية وفي رأس هرم السلطة، بل ودافعوا عنه باستماتة طيلة 7 سنوات، وقد ألهمت هذه الثورة الشطر الجنوبي فسار مسارها الثوري محاولا الخلاص من الاستعمار البريطاني، فكان له ما أراد في العام 1967.
غير أن الطموحات لم تتحق في النصف الثاني من رحلة اليمن الحديث الممتد من ثورة سبتمبر حتى ثورة فبراير، حتى مع إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في العام 1990، بل وتكرس الحكم العائلي في أبهى صوره ووصلت رحلة اليمن الحديث إلى مرحلة الشيخوخة بعد 100 عام، وبدا وكأنه يبحث عن إكسير حياة ليجدد شبابه ويتخلص من احتقانه، فكانت ثورة فبراير 2011.
ولا يجدر بنا إغفال المحيط العربي والترابط والتعاطف بين شعوبه باعتباره ينبوعا من الينابيع الثورية التي شهدها أكثر من بلد عربي، فالشعوب العربية منذ رحيل المستعمر وتحقيق الاستقلال وهي ترى واحدية الهوية والمصير، زادت من ذلك مشكلات التقسيم القُطري التي خلفها الاستعمار ومعاناتها من الأنظمة الشمولية الظالمة، ورؤية نماذج توحدية طموحة كالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والاتحاد الإفريقي، فتعاطفت مع بعضها وشجع كل منها الآخر من مطلق واحدية الهدف.
تفجرت ثورة فبراير 2011 واستطاعت تحقيق نتائج طموحة كالانتخابات والحوار والدستور الواعد ومشروع اليمن الاتحادي، غير أن الثورة لا تزال في مرحلتها الثورية كون مطالبها لم تتحق بعد، وبالتالي فنتائجها لم تقطف بعد، إذ إنه من الإجحاف تقييم مآلاتها بأنها نهائية، فهي تواجه ثورة مضادة وانقلابا هو من أوصل البلاد للحرب الأهلية، ومما لا شك فيه، أن إرادة الجماهير، وبعد مرور سبع سنوات على تفجر ثورتهم، لا تزال قوية على المضي قدما في إكمال تحقيق مطالب ثورتهم بلا نقصان، كونهم لا يملكون دون ذلك بديلا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.