شعار قسم مدونات

تضيقُ الأرضُ بِنا

blogs الحزن

هناك أشياءُ كثيرة في الحياةِ لا نتمكّنُ من فَهمها إلا بعد أن نخوضَها بأنفسنا، ونخوضَها رغما عنا، نختبر صعوبتَها، ونتجاوزها أخيرا، لأن الحياةَ في نهايةِ المطافِ لن تدعَنا وشأننا… تقسو الحياة بكل مراحلِها، وتتعقّد في بعضِها، وأحيانا لا نجدُ سبيلا أو مخرجا من قسوتها؛ فنضعفُ، ويأتينا الشك في أمور تصورناها يقينا.. وقد لا نفهمُ سببَ الصعوبات التي واجهتنا لحظةَ حدوثِها، ولكنّ اللهَ يكشف لنا بعد انقضائِها لِم مررنا بها..

 

نحن لا نعرِف كم بإمكانِنا أن نحب حتى يتألّم شخص أحببناهُ طيلةَ حياتِنا، أو نُظلم بالرحيل قسرا عن شخص أو عمل أو وطن. لا نعرفُ كم بإمكانِنا أن نتعلّق بالأملِ حتى نشعر بالخوف من أن نخسرَ شيئا يعني لنا الحياةَ بكل ما فيها.. ونكونُ على وشكِ الانهيارِ وتأتِينا من اللهِ آية نقرؤها أو نسمعها صدفة لتجعلَنا نتعلّق بأمل من عنده تعالى: "وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ" (يوسف:87).

 

فلولا عِلمنا بوجودِ الرحمن لتعِبَت أحوالُنا ولما استطعنا احتمال دنيا لا تُسمن ولا تُغني من جوع، لا تُرضيك، ويُرضيكَ اللهُ أحسنُ الخالقين، فإذا حزنت تدرك وجودَ القادرِ على تغييرِ الأحوال، تَمرضُ وتعلم وجودَ الشافي، تغضبُ وتعرف وجودَ العادل.. نحنُ لا نعرِفُ كمَّ الألمِ الذي بإمكانِه أن يعصِفَ بنا، إلا أن نخوضَ الألمَ أوالفشلَ أو الفقد بأنفسِنا.. ونكتشفُ أن المعاناةَ تُحتّمُ علينا أن نتجاوزَها ضرورة لا رغبة؛ لإكمالِ الحياةِ، فنتجاوزُها بالدموعِ حينا، وبالشجاعةِ والانكسارِ معا أحيانا.

 

ابحث عن يتيم ابتسِمْ في وجهِه، احضُنه بِوُدّ، صلِّ بهِ، احضر له كتابا، خذ بيده، أخبِرْه عن اللهِ، أخبِرْه كم هو رؤُوف بنا، ذكّرهُ أن كل الأشياءِ التي يخافُ منها ليستْ أقربَ إليه من اللهِ
ابحث عن يتيم ابتسِمْ في وجهِه، احضُنه بِوُدّ، صلِّ بهِ، احضر له كتابا، خذ بيده، أخبِرْه عن اللهِ، أخبِرْه كم هو رؤُوف بنا، ذكّرهُ أن كل الأشياءِ التي يخافُ منها ليستْ أقربَ إليه من اللهِ
 

يقولُ مريد البرغوثي. "الأملُ يضغطُ على صاحبِه كما يضغطُ الألم" نحنُ لا نعرِفُ كم بإمكانِنا أن نشعُرَ بالوحدةِ حتى نجدَ أنفسَنا وحدَنا، نحارِبُ من أجلِ الصحةِ أو المالِ أو الأهلِ أو الحياة أو الحب أو الحرية.. وحدَنا.. وحدَنا تضيقُ الأرضُ بِنا بكل ما رحُبت… تضيقُ، ولا تجِدُ فيها سندا يسندُك، ويربت على كتفِك ولو بكلمات، كلمات قد تكونُ كفيلة بِأن تجمعَ شتاتَك وتوهانك وآمالَك، فتداوي ما أنتَ فيهِ من خوف أو جوع، أو يُتم أو عوز..

 

حينَ تجدُ نفسَك قويا، إبحث عن قريب أو صديق يحتاجُ إليكَ، إبحث عن شخص متعب، ابحث عن مريض، إعرِض عليه أن تُوصلَه إلى المشفى، اسألْهُ عن أخباره، أحضِر لهِ حاجيّاتِ البيتِ واترُكها على بابِ بيته، إصنع له طعاما واجلِبهُ له ولأُسرتِه، إستمِع إليه، إعرِض عليهِ مالا لا تَحتاجُه أنتَ الآن.. إبحث عن محتاج، واستفتِ قلبَك بحاجتِه، اغتَنم فرصةَ الفوزِ بالرحمةِ؛ فقليل من الرحمةِ بيننَا، أخبره أن كلَّ شيء سيكونُ على ما يرام. إبحث عن يتيم ابتسِم بوجهِه، احضُنه بِوُدّ، صلِّ بهِ، احضر له كتابا، خذ بيده، أخبِره عن اللهِ، هل اختبرتَ شعورا أجملَ من شعورِكَ وأنتَ تتحدّثُ عنِ الله.. أخبِره كم هو رؤُوف بنا، ذكِّرهُ أنّ كل الأشياءِ التي يخافُ منها ليستْ أقربَ إليه من اللهِ..

 

يقول عبد الله منيف: "إنّ أقوى الناسِ، وأكثرَهم قدرة على التصرّفِ، يفقدونَ في لحَظات معينة قدرتَهم على أن يتصرّفوا منفردين، يجبُ أن يكونَ أحد إلى جانبِهم لكي يقول لهم ما يجب أن يفعلوا". قد يسخّرك اللهُ لتكون سندا وعونا لأخيك، فاجبُر ضعفَه، خذه بيدِك إلى الطريق الصحيح، فما الرحمة في القلوب إلا نعمة من اللهِ؛ فاحرِص عليها، ولا تُفرّط بها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.